التفسير
قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)
تلخيص لطيف للآيات السابقة ونتيجة هامّة لجميعها تجذب القلوب ، وهذا الأسلوب من الأساليب البديعيّة المعروفة في علم الفصاحة والبلاغة ، فيذكر في ابتداء الكلام جملة من الأمور حتّى تقع النتيجة المتصوّرة في محلّها ، وعلى ذلك شواهد كثيرة.
وكيف كان ، فقد أجمل عزوجل المعارف الإلهيّة في هذه الجملة المباركة ، التي هي أساس الصلاح والنجاح وأهمّ سبيل من سبل النجاة ، بل هي روح الشرائع الإلهيّة.
وبدأ بوحدة العبادة والمعبود ؛ لكونها أعظم الغايات المستكملة للنفوس الإنسانيّة ؛ لأنّ وحدة الذات والصفات والأفعال تتحقّق في وحدة العبادة لا محالة ، فأمر تعالى بعبادة الله الواحد الأحد إله العالمين ونهى عن الشرك في عبادته ؛ ليشمل جميع أنحاء الوحدة في الذات والصفات والفعل ، لما ثبت في العلوم الأدبيّة أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ففي المقام وردت لنفي الشرك في الاعتقاد والعمل والعبادة والقول ، فتكون هذه الآية الشريفة شارحة لقوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٦].
وعبادة الله تعالى إنّما تحصل بالإذعان له وطاعته في تنفيذ أحكامه ، والايتمار بأوامره عزوجل والانتهاء عن نواهيه ، والعمل بالإخلاص له ، وابتغاء وجهه الكريم وطلب مرضاته ، فيكون النهي عن الشرك يعمّ مخالفة الله تعالى باتباع الهوى والانقياد للشيطان ، فإنّ ذلك يوجب نسيان يوم الجزاء والخلل في حقّ الخضوع لله عزوجل ، كما قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة يس ، الآية : ٦١].