تبيّن روح الشريعة في هذا الحكم والجانب المعنوي منها ، كما تشير إلى بعض الجوانب المادّية فيه أيضا ، وهو المال والزوج والزوجة ، فإنّ كلّ نكاح يتقوّم بهذه الأمور الثلاثة.
وأمّا الجانب المعنوي ، فهو العفّة وتحصين النفس والتجنّب عن الإباحيّة والزنا والمباشرة من دون غاية سوى قضاء الشهوة العارمة.
ويستفاد من مجموع الآية الشريفة أنّ الغرض من هذه الأحكام التوفيق بين الاستجابة التكوينيّة وداعي الفطرة والعقل ؛ لتثبيتها على أساس محكم متين ، وحفظ النفس والتحرّز عن الفحشاء التي تعتبر بحقّ مفسدة للحياة الزوجية ، وقاطعة للنسل ، وهادمة للسعادة ، بخلاف ما إذا كانت الفطرة والشهوة التكوينيّة تحت سيطرة العقل وإمارته ، فإنّه يوجب تأسيس حياة سعيدة تبتني على الخير والمحبّة وبثّ النسل الطيب على ما يريده الله تعالى.
الخامس : ذكرنا أنّ ظاهر السياق من قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) هو نكاح المتعة ، وأنّه مشروع كالقسمين اللذين ذكرهما عزوجل في الآية السابقة ، وأنّه من سبل تحصين النفس من الوقوع في الحرام ، وأنّ الثلاثة هي الطرق الشرعيّة في الاستمتاع واللذّة الجنسيّة ، وغير تلك الثلاثة يكون سفاحا محرّما ، وهذا ممّا لا شبهة فيه ، فلا يبقى مجال للنقاش في دلالة الآية الشريفة على المطلوب ، وقد ذكرنا سابقا بعض ما قيل في وجه الاشكال فراجع.
وذكر بعضهم أنّ الآية الكريمة منسوخة ، واختلفوا في الناسخ لها ، فقيل : إنّها منسوخة بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٥ ـ ٧].