قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)
بيان لأساس الشرائع الإلهيّة والأحكام الربوبيّة ؛ لأنّ الطاعة محور كلّ تكليف إلهي وقانون وضعي ، فلا فائدة في تشريع لا تطبيق فيه.
والآية المباركة تفصيل لما أجمله عزوجل في الآية الكريمة السابقة ، فإنّه بعد ما أمر الناس بأداء الأمانة والحكومة بالعدل ، بيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الشريفة أنّ الطريق لذلك إنّما يتمّ بطاعة الله وطاعة الرسول واولي الأمر منكم ، ثمّ ردّ المتنازع فيه الى الله تعالى والرسول ، فالجملة كما أنّها بيان لما ورد في الآية السابقة ، تمهيد وتوطئة للأمر بردّ المتنازع فيه الى الله عزوجل ورسوله.
والطاعة هي الالتزام مع العمل ، وطاعة الله هي الإيمان به وبدينه الحقّ والعمل بأحكامه وشريعته التي أنزلها على رسوله الأمين.
وأما طاعة رسوله ، فلأنّه المبعوث لتبليغ أحكام الله تعالى والمأمور لبيان كتابه الحقّ ، فلأنّه لا ينطق عن الهوى.
فكانت طاعة الله تعالى واجبة بالذات ؛ لأنّ له الطاعة المطلقة والحاكميّة التامّة. وأما طاعة الرسول صلىاللهعليهوآله ، فهي وإن كانت واجبة بالذات أيضا ؛ لأنّ الله تعالى أمره بتبليغ الأحكام وبيان الكتاب ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [سورة النحل ، الآية : ٤٤] ، وجعل له الولاية العامّة والحكومة بين الناس والقضاء والفصل بينهم بما يراه من المصلحة وما ألهمه الله تعالى من صواب الرأي ، قال تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [سورة النساء ، الآية : ١٠٥] ، إلا أنّها إضافية من قبله جلّ شأنه.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله واجبتان بالذات ، فيجب إطاعتهم في كلّ ما يأمرون به وينهون عنه ، بوصفهم أنّ لهم سلطة تطاع لذاتها ، إلا أنّه تفترق الثانية عن الاولى بأنّها مستندة إلى الله تعالى ، وأنّها إفاضيّة من قبل الله قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [سورة