قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).
أي : حرّم ذلك عليكم إلا ما وقع منكم في الجاهلية وزال موضوعه ، فإنّه مغفور لكم ومعفوّ عنكم ، ونظير هذا ما تقدّم في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، ورفع الحكم لا يستلزم رفع الآثار المترتّبة عليه ، فتثبت القرابة الشرعيّة والتوارث بين القرابة المتولّدين من الجمع بين الأختين في الجاهلية.
وقيل : إنّه يمكن إرجاع هذه الجملة إلى جميع ما ورد في الآية المباركة ، من غير اختصاص بالفقرة الأخيرة ، فيأتي فيها ما ذكرناه آنفا ، ولكنّه بعيد من ظاهر الآية الشريفة. وإن كان يناسبه ذيل الآية الشريفة من سعة عفوه وغفرانه.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
تعليل لما ذكر في المستثنى والمستثنى منه ، أي : أنّ الله تعالى غفور لما وقع منكم في الجاهلية ، والإطلاق يشمل آثار الذنب والمعاصي.
أي : أنّ الله تعالى غفور لما وقع منكم في الجاهلية ، رحيم بعباده ، يشرّع الأحكام لأجل سعادتكم وتكميل نفوسكم ، فهو رحيم بعباده ؛ لأنّه أرشدهم إلى ما هو الأصلح لهم في معاشهم ومعادهم.
وقد اتفق الفلاسفة المتألّهون وغيرهم على أن كلّما ينزل من السماء من الوحي المبين ، له علل ومصالح واقعيّة ، ربّما لا يدرك العقل تلك المصالح والعلل مهما بلغ شأنه ، فجميع ما ذكره عزوجل في الآية المباركة في حرمة تلك الطوائف والأفراد ذات مصلحة واقعيّة تكوينيّة ، لا سيما في تنظيم الاسرة ، وتهذيب السلوك والتخلّق بمكارم الأخلاق ، وبعث روح الاحترام والتقدير في النفوس بالنسبة إلى الآخرين ، ونزع روح الانتقام والبغضاء منها ، إلى غير ذلك من المصالح التي قد لا يدركها العقل إلا بعد قرون عديدة.