قوله تعالى : (وَراعِنا).
كلمة ذات وجهين أيضا ، وهي عطف على ما قبلها ، فقد كشف سبحانه وتعالى مظهرا آخر من مظاهر تحريفهم للكلام ، وسوء سرائرهم ونفاقهم ، وتقدّم تفسير هذه الكلمة في سورة البقرة آية (١٠٤) ، وقلنا : إنّ اليهود كانوا يناسبون بكلمة (راعينا) ، وقد ورد في توراة كلمة (راع) مشالة إلى الألف ، وتسمّى عندهم (قامص) ، وهو بمعنى الشرّ أو القبيح ، فتكون بمعنى شريرنا ونحو ذلك من الصفات ، أما المؤمنون فكانوا يستعملون هذه الكلمة بمعنى الحفظ والمراعاة أو المراقبة أو غيرها من الصفات الحسنة ، وقد سمعها اليهود وأرادوا منها غير المعنى المقصود الصحيح.
وقد نهى الله سبحانه وتعالى في آية البقرة أن يستعملها المسلمون ؛ لئلا يستغلّها اليهود في ذمّ الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ)
تعليل لما تقدّم ، وانتصاب (لَيًّا) على العليّة ، أي : يقولون ذلك ليّا. واللي : الانحراف والفتل ، يقال : ليّ الحبل ، أي : فتل.
والمعنى : يظهرون الكلام بصورة الحقّ ويريدون خلافه ويميلون به إلى المعنى الباطل ، سواء في القلب أو باللسان ، ويقولون ذلك طعنا في الدين وقدحا فيه ، وقد عرفوا بذلك في مرّ الزمن.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ)
أي : ولو أنّهم اختاروا الهدى على الضلال ، وقالوا : سمعنا قولك وأطعنا أمرك ، واسمع منا ما نقول في مقام الاهتداء وانظرنا باللطف ، لكان خيرا لهم من القول الباطل المموه وأعدل في نفسه وأضرب ؛ لأنّ الكلام قد اشتمل على أدب الدين وطلب الهداية والخضوع للحقّ ، وهو خير لهم وأقوم ممّا قالوه ، وقد بدّل