عن مواضعه. وقد ذكرنا في احدى مباحثنا السابقة أنّ تحريف الكلام له وجوه متعدّدة فقد يكون بتلبيس الحقيقة بالكذب ، وقد يكون بستر الواقع والحقيقة وحجبها عن الناس ، وقد يكون بالتبديل إما بالزيادة وإدخال بعض الكلام فيه ، أو بالنقصان ، أو بتغيير مواضع الألفاظ ، وقد يكون بالتأويل المخالف للواقع والتفسير الباطل وغير ذلك ، وقد بيّن القرآن الكريم جملة من موارد تحريفهم ، والإطلاق يشمل جميع أقسام التحريف ووجوهه ، من التحريف الظاهري اللفظي والتحريف المعنوي.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا).
بيان لبعض وجوه التحريف ، وهو استعمال القول بوضعه في غير المحلّ الذي ينبغي أن يوضع فيه ، وإنّما خصّ هذا القسم لأنّه يكشف عن شدّة غيهم وضلالهم وتماديهم في العناد ، فإنّهم يحرّفون الكلام بمحضر النبي صلىاللهعليهوآله ، أي : يقولون له صلىاللهعليهوآله وهم يعلمون أنّه على الحقّ بما عرفوا من أوصافه الواردة في التوراة : سمعنا قولك وعصينا أمرك عنادا ، مع أنّ السمع لا يكون إلا في موضع الطاعة ، فلا بد وأن يقولوا : سمعنا واطعنا ، ويمكن أن يكون قولهم ذلك تهكّما واستهزاء بالرسول الكريم صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ).
المسمع بفتح الميم الثانية ، وهذا الكلام يستعمل على وجهين للخير والشرّ ، والأوّل اسمع غير مسمع مكروها ، فكانوا يخاطبون النبيّ صلىاللهعليهوآله بذلك ، وهم يضمرون المعنى.
الثاني : أي الشرّ وهو : اسمع حال كونك غير مسمع كلاما أصلا بصمم أو موت أو آفة ، فأرادت اليهود من هذا القول الدعاء على المخاطب ، أي : معنى الشرّ ، والمعنى الخير الظاهر فيه هو (اسمع لا سمعت مكروها) ، ولكنّهم يضمرون السوء منه.