لعباده من فضله تعالى ، وأن ما يكسبه كلّ فرد من أفراد الإنسان إنّما هو نتيجة اختلاف القرائح والاستعدادات والتفاوت في سبل العيش ومزايا الحياة ، وهذه الآية الشريفة هي الحدّ الفاصل بين الخيال والحقيقة ، وأنّ الحياة لا تقوم على الأول منهما وأنّ التشكيك في تلك الحقيقة لا يزيد الإنسان إلا بعدا عن الواقع ، ولا يجتني منه إلا الفساد ، ولذا نهى عزوجل عن تمنّي ما هو خلاف ما فضّل الله تعالى ؛ لأنّه من موجبات الفوضى ، والله تعالى يأبى ذلك ، فأرشد عزوجل الإنسان إلى ما هو الأصلح له ، وهو التطلع إلى فضل الله تعالى وتمنّي ما يكون سببا في سعادته.
كما أنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ الحياة لا تقوم إلا بالجهد والعمل ، لكن مع طلب التأييد والتوفيق من الله عزوجل ، ولذا عقّب سبحانه وتعالى هذه الآية الشريفة بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) ، تأكيدا لذلك ، ولدفع كلّ وهم ، فإنّها تدلّ على أنّ الطريق الصحيح هو العمل دون مجرّد التمنّي.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) على أنّ الحقيقة التي تبتني عليها الحياة هي العمل والجد والاجتهاد ، لا مجرّد التمنّي والوهم والخيال ، وأن التفاوت بين كلّ واحد من الصنفين إنّما يكون بالعمل ، والحياة ليست مجرّد صراع بينهما ، بل الله تعالى خلق الرجال لمهمة كما خلق النساء لمهمة اخرى ، وأنّ بهما تستقيم الحياة ، وقد خلق عزوجل الجنسين ليوجد بهما السكن والراحة والمودّة ، كما تقتضيه قانون الفطرة ، وكلّ ما هو خلاف ذلك لا يجدي إلا حسرة وندامة وفسادا.
ويمكن أن تشير الآية المباركة على العلّتين اللتين يقوم بهما النظام ، هما العلّة الفاعلة والعلّة المنفعلة ، وبهما ينتظم النظام الأحسن وتستقيم الأمور ، فلا بد من قيام كلّ واحدة من العلّتين إلى جانب الاخرى والعمل بوظيفتها فردا