قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)
أي : ولو أنّهم فعلوا تلك التكاليف لكان خيرا لهم في جميع شؤونهم وأحوالهم في الدنيا والآخرة.
وفي تبديل الكتابة (ما يُوعَظُونَ بِهِ) لبيان أنّ تلك الأحكام إنّما هي إرشاد لصلاحهم وسعادتهم ، فإنّ التكاليف الإلهيّة مواعظ ونصائح يراد لهم منها الخير والصلاح ، فتدلّ على أنّ الحكمين المذكورين في الآية السابقة اختبارهم.
قوله تعالى : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)
التثبيت : التقوية ، وذلك بجعل الشيء ثابتا وراسخا ، أي : وأشدّ تثبيتا لإيمانهم وقلوبهم على طاعة الله ، والآية المباركة تدلّ على أنّ تنفيذ الأحكام الإلهيّة وتطبيقها لهما الأثر الكبير في تقوية الإيمان ، بل هي العلّة التامّة في رسوخه في النفس ، فإنّ العمل بالأحكام يزيد العامل قوة وإحكاما على ترسيخ الملكات الفاضلة والأخلاق الحسنة في النفس ، فتقوم بالتكليف بأحسن وجه لا تخاف الضلال والغواية.
قوله تعالى : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً)
إذن حرف جواب وجزاء ، أي : حين ما ثبتوا على الإيمان وقويت فيهم عرى الحقّ والصواب لاعطيناهم أجرا عظيما لا يعرف أحد مداه ولا يبلغ منتهاه ، وسيأتي في الآيات التالية بيان بعض ذلك الأجر العظيم.
قوله تعالى : (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً)
أي : لهديناهم لسلوك الطريق المستقيم الذي يوصلهم إلى المراتب العالية في القرب ، وقد تقدّم في سورة الفاتحة معنى الصراط المستقيم.
وهذه الهداية أجلّ وأعظم من الأجر المتقدّم ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [سورة محمد ، الآية : ١٧] ، والاختلاف في الأجر والجزاء لاختلاف درجات الإيمان ، فبعضهم ينعم عليهم الخير ، وآخرون الثبات والعزيمة ، وثالثهم الهداية إلى الصراط المستقيم.