أي : فيضلّون ضلالا. وإنّما وصفه بالبعد إما لأجل أنّه بعيد عن الحقّ بعدا كبيرا لا التقاء معه بوجه من الوجوه ، أو لأجل المبالغة في التنزّه عنه وعن سبل غوايته.
والآية الشريفة سجّلت عليهم أمورا أربعة تحدّد وصفهم تحديدا دقيقا ، وبها يحكم عليهم بوضوح بأنّهم ليسوا مؤمنين ، وهي : ادعاء الإيمان بما انزل الله تعالى ، وإرادة التحاكم إلى الطاغوت ، وأنّهم مأمورون أن يكفروا به ، وأنّ الشيطان يريد أن يضلّهم ضلالا بعيدا ، فحقّ أن يكونوا غير مؤمنين ، إلا أن يتحاكموا إلى شريعة الله كما أمر الله المؤمنين به في الآية السابقة.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)
الآية الشريفة تبيّن بعض علاماتهم ، وهي أنّهم في حال السلم والأمن يظهرون الإعراض والصدود إذا دعوا إلى الإيمان بما أنزل الله تعالى من القرآن وما أنزل على الرسول صلىاللهعليهوآله من الحقّ ، وإذا أصابتهم المصيبة تلمّسوا المعاذير وادعوا أنّهم أرادوا الإحسان.
وتعالوا : طلب الإقبال إلى مكان عال ثم عمّم. والصدّ : هو الإعراض ، وصدودا مصدر مؤكّد لفعله المذكور ، ويبيّن أنّ الإعراض كان صريحا وعن عمد منهم ، وقد تقدّم ما يتعلّق باشتقاق هذه المادّة.
وإنّما ذكر الرسول صلىاللهعليهوآله مع أنّ الذي انزل إليه هو حكم الله تعالى ، للتأكيد على أنّ الإيمان بالله تعالى إنّما يتم بالإيمان بالرسول وما انزل إليه. والآية تثبت مضمون إطاعة الله وإطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله.
كما أنّ تخصيص الرسول بالإعراض مع أنّ الذي دعوا إليه هو الكتاب والرسول معا ، لأنّ الخطاب مع المنافقين الذين يدّعون الإيمان بالكتاب ولم يتجاهروا بالإعراض عن كتاب الله تعالى ولكنّهم يخالفون رسوله ، ويصدون عنه صدودا متعمّدا.