وهذا الاحتمال لا شاهد له ، بل هو بعيد عن ظاهر الآية الشريفة ، فلا وجه للأخذ به بعد ما استظهرناه من لزوم عصمتهم بحكم إطلاق الطاعة كما مر.
يضاف الى ذلك أنّ افراض طاعة اولي الأمر لأجل أنّهم يمتازون عن سائر أفراد الامة بمميزات خاصّة أهّلتهم لتصدّي هذا المنصب الخطير ـ كما ستعرف ـ لا ما جعلوه هم لأنفسهم.
ثم إنّ الأمر في (أُولِي الْأَمْرِ) يراد به الشأن الراجع الى دين المؤمنين ودنياهم ، كما هو المستفاد من آيات اخرى ؛ لأنّ الإسلام لم يهمل جانبا من جوانب حياتهم ، وقد وردت هذه الكلمة في مواطن اخرى ممّا يؤيّد ذلك ، قال تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩] ، أي : ما يتعلّق بالموضوعات الخارجيّة ، وقال تعالى في مدح المتقين : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [سورة الشورى ، الآية : ٣٨] ، أي : ما يرتبط بالأمور الدنيويّة التي فيها أغراض صحيحة عقلائية ، وقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٣٦].
واحتمل بعضهم أن يكون المراد بالأمر ما يقابل النهي.
وفيه : أنّه خلاف ظاهر اللفظ.
و (مِنْكُمْ) يدلّ على أنّ اولي الأمر ليسوا هم ، أيّ ناس يقومون بالحكم ويتسلّطون على الأمر ، أو ينصب نفسه على المسلمين ، بل لا بد أن يكونوا مؤمنين وبالذات أن يكونوا منكم في الأمانة والتقوى ، وإلا لا وجه لطاعتهم ، فإنّ الله تعالى لا يأمر بطاعة من لم يكن من أهل الإيمان ولو تسلّط على المؤمنين جبرا وغصبا ، حتّى يكون (مِنْكُمْ) ظرفا مستقرا ، أي : اولي الأمر الكائنين منكم ، بل أنّ لهذه الكلمة مزيّة خاصّة في المقام ، وهي أنّ اولي الأمر لا يكون بالضرورة فردا خارجا عن أفراد الإنسان ، بل أنّهم منكم ، نظير ما ورد في الرسل ، قال