الذهن الثاقب ، فلهم أن يكشفوا عن حكم الله ورسوله في القضايا والموضوعات العامّة.
واولوا الأمر اسم جمع يدلّ على كثرة التلبّس بهذا العنوان ، وهو يتصوّر على وجهين :
الأول : أن يكونوا آحادا يتلبّس كلّ واحد بهذا العنوان ، لكون مفترض الطاعة واحدا منهم بعد واحد ، فينسب افتراض الطاعة الى جميعهم بحسب اللفظ والأخذ بجامع المعنى ، ونظير ذلك مثل قولنا : صل قربائك وأطع ساداتك ، ونحو ذلك.
واعترض بعض المفسّرين على هذا بأنّه يوجب حمل الجمع على المفرد ، وهو خلاف الظاهر.
ويردّ عليه أنّ ما هو خلاف الظاهر في حمل الجمع على المفرد أن يطلق لفظ الجمع ويراد به واحد من آحاد ، فإنّه يحتاج الى عناية زائدة ، وأما حمل الجمع على الأفراد على سبيل انحلال الحكم الى أحكام متعدّدة حسب تعدّد الآحاد ، فهو صحيح ، بل واقع في القرآن الكريم والسنّة الشريفة وكلام الفصحاء ، قال تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٢٣٨] ، وقال تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٣٨] ، وقال تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [سورة القلم ، الآية : ٨] ، وقال تعالى : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الشعراء ، الآية : ١٥١] ، وغير ذلك ممّا هو كثير لا سيما في تشريع الأحكام.
الثاني : أن يكون الجمع من حيث هو جمع ، أي الهيئة الحاصلة من عدّة معدودة ، كلّ واحد من اولي الأمر وصاحب نفوذ في الناس وذو تأثير في أمورهم ، مثل رؤساء الجنود وأمراء السرايا وأولياء الدولة والعلماء وسراة القوم وأهل الحلّ والعقد ، وهم الهيئة الاجتماعيّة كما عن بعض المفسّرين.