قوله تعالى : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
هذه هي العلامة الثالثة التي تكشف عن رسوخ الإيمان في القلب رسوخا تامّا ، فينبثّ على الجوارح ويكون داعيا إلى العمل طوعا ، فيكون إذعانا تامّا ظاهرا وباطنا لأمر الله تعالى ، سواء في التشريع أم التكوين ، وهذا هو آخر موقف من مواقف الإيمان الحقيقيّ الذي لا حرج ولا اعتراض من المؤمن على أي حكم من أحكام الله تعالى والرسول لا ظاهرا ولا باطنا ، فتكون هذه العلامة عامّة تشمل التشريع والتكوين وحكم الله وحكم الرسول وأفعاله وسيرته ، فإنّ جميع ذلك من طاعة الله تعالى.
وحكم الآية الشريفة عامّ يشمل عصر النزول وغيره ، والمنافقين وغيرهم ، فإنّها في مقام إعطاء الضابطة للإيمان الصحيح ، والقاعدة التي لا بد أن يرتكز عليها المؤمن في اعتقاده وأعماله وسيرته.
بحوث المقام
بحث دلالي :
تدلّ الآيتان الشريفتان على امور :
الأول : يدلّ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) ـ باسلوبه الدالّ على الحصر وعلى الاهتمام البليغ بالموضوع ـ على أنّ الغاية من إرسال الأنبياء طاعتهم والعمل بشريعتهم وتنفيذ أوامرهم وليس الإيمان مجرّد التلفّظ بالشهادتين من دون الطاعة ، وسيأتي في الآية التالية بيان الطاعة التي فرضها الله عزوجل على الناس ، ولعلّ تعقيب الطاعة بكونها من إذن الله تعالى فيه الإشارة إلى أنّ الطاعة هذه لا بد أن يأتي بيانها من قبل الله تعالى ، وليس لكلّ أحد أن يفسّرها بما يريده ويتوهّمه ، وقد فسّرها عزوجل في المقام بأحسن