قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).
تثبيت لمضمون ما ورد في الآيات السابقة وتعظيم الأمر على المخالفين والمعاندين والكافرين ، وتهويل حالهم في يوم لا سبيل لهم إلا الإقرار والاعتراف ، فيستحقّون جزاء إنكارهم وأعمالهم الفاسدة ، وقد دأب القرآن الكريم أنّه إذا ذكر أحكاما معيّنة وأمورا ترتبط بالعقيدة والتوحيد وشؤون الخالق والربّ العظيم أن يذكر بعد ذلك ما يثبتها بأمور حسنة لا يمكن إنكارها ، لئلا يكون للناس على الله حجّة ، ولدفع شبه المعاندين ، ومن تلك الأمور الحسنة الشهادة التي يقبلها جميع أفراد الإنسان وتقوم عليها نظام معاشهم ، فيأتي الله تعالى يوم القيامة بالشهداء المحمودين المقبولين عند جميع الأمم ، وهم الأنبياء والأوصياء ، فإذا شهدوا على أحوال أممهم ثم قرّر تلك الشهادات بشهادة خاتم الأنبياء ، لأنّه أشرفهم وهو غاية بعث الرسالات السماويّة ، فهو الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كلّه ، فإنّ هؤلاء الشهداء يشهدون على أحوال أممهم من إطاعتهم وعصيانهم وبغيهم وعنادهم واستقامتهم وخروجهم عن الطاعة وإعراضهم عن ما جاءوا به من المشهود ، إذ لا سبيل لهم للإنكار ولا خلاص لهم من أهوال ذلك اليوم العصيب بعد أن يتبرّأ منهم الأنبياء والشهداء ، فلا تفيدهم ادعاء الاتباع لهم. وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣] معنى الشهادة وما يتعلّق بكيفيّة الشهادة ، فراجع.
وذكر بعض المفسّرين أنّ المراد ب (هؤُلاءِ) هم الذين كانوا موجودين حين النزول ، فهو صلىاللهعليهوآله يشهد أنّه جاء لهم بالدين القويم وبلّغ ذلك أحسن تبليغ وأقام الحجج على الدعوة ، وما قاساه من العتاة والمشركين من العناد والضلال وشدّة الأذى ، وتألبهم عليه مجاهرة ونفاقا ، فيكون حجّة على المفرطين والمعاندين.