خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [سورة الشورى ، الآية : ٢٧] ـ والآخرة لها دخل في نظام الأسباب والمسبّبات وظهور الاستعدادات وبروزها ، ولا يمكن التخلّف عنه.
والنهي عن التمنّي إنّما لأجل عدم إمكان تحقّق المسبّب بدون سببه ، فيكون النهي إرشاديا تكوينيّا لا نهيا مولويّا ، وهو يرشد الناس إلى حفظ القانون العامّ والنظام الشرعي والتكويني.
والآية المباركة تدلّ على بطلان مذهب البخت والاتّفاق ، لعدم إمكان تحقّق المسبّب بدون السبب ، فلا بد من العمل والسعي لنيل الفضل ، كما تدلّ عليه الأدلّة الكثيرة ، منها قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [سورة النجم ، الآية : ٣٩].
ومنها : قول علي عليهالسلام : «ولا تكن ممّن ترجو الآخرة بلا عمل ، وترجو الحصاد بلا زرع» ، وقال عليهالسلام أيضا : «الأماني بضائع النوكى» وغير ذلك ، فالفضل والأجر ليستا وقفا على طائفة معيّنة ونوع معيّن ، والأجر إنّما يكون على العمل والوفاء بالتكاليف ، فتكون الآية الشريفة نظير قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة ، الآية : ٧ ـ ٨] ، وقوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٥].
ولكن الآية الشريفة تدلّ على أنّ لكلّ جنس مهمّة معيّنة خلقه الله تعالى لها ليؤدّيها في الأرض ، وهيّأه لها ووهب له ما يمكن أن يقوم بالمهمة ، فكلّفه عزوجل بتكاليف توافقها ، وقد ذكرنا في أحد مباحثنا السابقة أن الرجل خلقه الله تعالى لأجل وظائف معيّنة في المجتمع ، كالجهاد والسعي للكسب والعيش ، كما خلق النساء لأداء وظائف اخرى ، كالحمل ورعاية البيت وتربية النشئ تربية صالحة شرعيّة ، وقد أعطى عزوجل لكلّ واحد منهما أجرا معيّنا لا يمكن نيله إلا بالعمل وأداء الوظيفة والوفاء بالتكاليف الإلهيّة ، فلا بد من المحافظة على ذلك