حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٩] ، فإنّ الحسد لا ينبت في قلب إلا إذا ما وجد ما يقتضيه ، وهو البخل وكتمان الحقّ وتزكية النفس بالادعاء الباطل والإيمان بالجبت والطاغوت ، فإنّ كلّ ذلك ممّا يمهد القلب للاتصاف بالحسد الذي هو من الأمراض المهلكة ، فحينئذ يستفاد من الآية المباركة أسباب هذا المرض ، وكيفية علاجه إنّما تكون بالانقلاع عن الأسباب وإزالتها وتخلية النفس عن الرذائل الموجبة للحسد ، فهذه الآيات الشريفة تبيّن أسباب هذا المرض ، وإذا عرف السبب أمكن علاجه بسهولة ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام إن شاء الله تعالى.
العاشر : يستفاد من قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) شدّة الألم ، لأنّ النضج هو المرتبة الدانية من الطبخ ، الذي يوجب زوال الحسّ ، بخلاف النضج ، فإذا تعدّى عن مرتبة النضج تبدّلت جلودهم الى جلود اخرى.
الحادي عشر : لا تنافي بين قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) وبين قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [سورة الكهف ، الآية : ٢٩] ؛ لاختلاف طبقات السعير حسب الجرائم ، ويمكن الاختلاف حسب اختلاف الأزمنة أو الحالات التي تمر عليهم.
الثاني عشر : يستفاد من قوله تعالى : (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ، أنّ السبب في تبديل الجلود التي نضجت واحترقت الى جلود اخرى هو ذوق العذاب ومقاساته ؛ لأنّهم انغمسوا في الرذائل واتصفوا بصفات مهلكة.
والتعبير بالذوق لبيان شدّة إحساسهم بالعذاب ودوامه ، ويدلّ ذلك على بقاء أبدانهم على حالها مصونة ، ولا بد أن يكون كذلك حتّى يدوم مقاساة أهوال النّار ويدوم ذوقهم للعذاب ، وهو يدلّ على إياسهم عن النجاة.