وبالأحرى هو الميل من الرشد إلى الغي والضلالة ، وهو عبء ثقيل وحامله في تعب دائم ، بخلاف شريعة الحقّ التي بنيت على السماحة والتسهيل ، وقد جمعت بين الفضيلة والتهذيب والنظم المبني على الحكمة ؛ ولذا يكون العمل بها موجبا للتخفيف من أوزار اتباع الشهوات وثقل الذنوب والمعاصي.
وهذه الآية الشريفة من الآيات المعدودة التي تشتمل على حكمة التشريع ، وتدعو إلى تهذيب النفس الأمّارة والتربية ، للتحلّي بالفضائل ومكارم الأخلاق.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ).
ترتّب هذه الآية الكريمة على السابقة من قبيل ترتّب المعلول على العلّة التامّة ، فإنّ اتباع الشهوات يوجب ثقلا كبيرا وقيودا باهظة ، وشريعة الحقّ ترفع تلك الأوزار ، فتعلّقت الإرادة الأزليّة لطفا بعباده ورحمة بهم أن يخفف عن العباد أوزارهم ، بارجاعهم إلى الفطرة وداعية العقل وترك ما يكون سببا في تعبهم ومشقّتهم.
وهذه الآية المباركة تبيّن وجه الحكمة في تشريع الأحكام كلّها ، فإنّها موجبة لتخفيف الأوزار التي يتحمّلها الإنسان لأجل ارتكابه الآثام التي هي مراد من يتبع الشهوات ، فقد خفّف عزوجل عن هذه الامة بما لم يخفف عن غيرها من الأمم ، قال جلّ شأنه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥] ، وقال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج ، الآية : ٧٨] ، فشرّع لهم في النكاح وتكوين الاسرة وتهذيب النسل ما لم يشرّع في سائر الأديان ، فحرّم ما يؤتى منه الفساد ، مثل البغي والزنا ونكاح المحارم ، وأحلّ ما يجلب الصلاح ، وسنّ ما يوجب تهذيب الشهوة العارمة وكبح جماحها ، ولم يدع مجالا وجانبا إلا وبيّن الحكم فيه ، فحلّل نكاح الإماء في حالة الاضطرار الذي يعتبر أيضا ممّا خفّفه الله تعالى عن المؤمنين ، فكأنّ هذا الحكم مثل سائر الأحكام الإلهيّة في المقام ، التي اجتمعت فيها غايات متعدّدة ، مثل التربية والتهذيب.