بحث كلامي
لا شكّ أنّ الجزاء المترتّب على الأعمال ـ قبيحة كانت أو صالحة أو الملكات النفسانيّة التي لها أثر في الخارج ، أو ما لا تكون كذلك إلا أنّها قابلة للزوال ولم يعالجها آنها ، فرسخت في النفس بالاختيار ـ لا بد وأن يكون مطابقا لها ويناسبها ، ويدلّ على ذلك كثير من الآيات المباركة والسنّة الشريفة ، بل قد يكون الاختلاف حسب العامل بما عنده من الدرجات ، أو حسب الأزمنة المعيّنة أو حسب الصفات النفسيّة ، بلا فرق في ذلك بين العذاب الدنيويّ والاخرويّ ، وأما مسألة الخلود في النّار ، فقد أجبنا عنه في أحد مباحثنا السابقة ، ويأتي التعرّض لها في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
والطمس الذي هو نوع من أنواع العذاب الذي يستحقّه المتمرّد أخف من المسخ في الجملة ، فإنّ المسخ قلب الشيء أو تبديله إلى أسوء منه ، وهو تارة : في العين ، أي : مسخ الخلق ، كما يمسخ الله الإنسان المتمرّد المنهمك في المعصية إلى القرد.
واخرى : مسخ الخلق ، وهو يحصل في كلّ زمان ومكان ، وذلك أن يصير الإنسان ـ نستجير بالله ـ متخلّفا بخلق ذميمة فاسدة من أخلاق بعض الحيوانات ، نحو أن يصير في شدّة الحرص كالكلب ، وفي الشره كالخنزير أو غيرهما من الحيوانات التي لها خلق ذميمة وصفات سيئة.
بخلاف الطمس الذي هو تغيير في الصورة والوجه ، بمحو محاسنها وزوال تخطيطها من العين والأنف والحاجب ، وجعل الوجه على هيئة الأدبار ، وفي المقام لما كانت جماعة من اليهود قد أعرضوا عن الحقّ ومتابعته بعد إقامة الحجّة عليهم ، فقد طمس الله تعالى على وجوههم وغيّرهم عن تلك الخلقة الأصليّة ،