بحوث المقام
بحث أدبي
قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) ، أبلغ من أن تقول : «لا تصلّوا» وغيره ، لأنّه يشمل الغشيان والتلبّس بالفعل وجميع أنحاء القرب والدنو منه ، ومنها الدخول في مواضع الصلاة ومقدّماتها كما عرفت في التفسير ، وقد ورد مثل هذه العبارة في غير المقام ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) [سورة الاسراء ، الآية : ٢٤] ، وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٥١] ، لبيان شدّة النكير وعظمة الأمر.
وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ سُكارى) ، جملة اسميّة مركّبة من المبتدأ والخبر حاليّة ، والواو فيها لبيان الحال ، وإنّما أتي بالجملة الاسميّة في ضمن النهي حالا ، استلفاتا إلى المنافاة للفعل المنهي عنه مع مضمون الكلام ، واحتجاجا لحكمة النهي ، فكأنّه قيل : إنّ الصلاة المطلوب فيها الطاعة والإقبال بها على الله تعالى في الخضوع له عزوجل والتدبّر في أقوالها وأذكارها والتوسّل بدعائها ، ينافي إتيانها مع السكر وذهوله وغفلته ، ونظير المقام قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٢] ، وقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٧] ، فإنّ المطلوب من الاعتكاف هو الانقطاع إلى الله تعالى في المساجد والابتعاد عن التلذّذ ، فينافي التلذّذ مباشرة النساء ، وكذا قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٩٥] ، فإنّ الإحرام حبس النفس على الطاعة وترويضها على الاجتناب عن المحرّمات ، بل عن كثير من المباحات ، فهو ينافي طلب الصيد وقتله ؛ ولذا نرى أنّ هذه المنافاة لما كانت غير ظاهرة في الجنابة ، وإنّما فرض