بينها وبين المقدّمات التي هي الإدراك وتوجّه النفس والعزم ، أي : التصميم ، وتصوّر الغاية الذي به يتميّز الإنسان عن الحيوان ، فإنّهما ذوا شهوة كشهوة الطعام والشهوة التناسليّة ، وهي تدفع الحيوان والإنسان إلى الفعل ، ولكن الحيوان لا يفعل ذلك متعقّلا كالإنسان.
إرادة الإنسان :
لا شكّ أنّ المخلوقات بالنسبة إلى الإرادة على أقسام :
الأوّل : تلك المخلوقات التي تخلو عن الرغبة والشهوة كالحيوانات الدنية ـ كالديدان والهوام والنباتات ـ فإنّ هذه تفعل وتسعى إلى الفعل لأجل الحاجة ، لا الرغبة والشهوة ، فإنّ تغلغل جذور النبات وتفرّع فروعها في الهواء واتجاه أوراقها إلى الشمس ونمو أصلها ، كلّ ذلك صادر عن حكم الحاجة إلى الغذاء ، بل يفعل بمقتضى الطبيعة فيها ، نظير صدور الأفعال الحتميّة الصادرة في الحيوانات العليا ، كالتنفّس والنبض والتثاؤب والنوم ونحو ذلك ، فهذه كلّها تصدر عن الحاجة والطبيعة دون الإرادة.
نعم ، قد يشتبه الأمر ، ففي بعض الحيوانات والنباتات تصدر الأفعال عن رغبة وشهوة ملحّة ، ولعلّ من قال من الفلاسفة : إنّ بعض النباتات فيها الإرادة ، كان نظره إلى خصوص هذا الأخير فقط ، وإلا ليس كلّ حيوان فضلا عن النبات ذا رغبة أو شهوة تتقوّم بها الإرادة.
الثاني : المخلوقات التي لها الاحساس والشهوة ـ كالحيوانات ـ فإنّها تفعل الأفعال بإرشاد الغريزة والشهوة المجرّدة عن الرغبة وإرشاد العقل والتعقّل ، فهي أيضا لا تكون ذات إرادة إلا إذا صحّ إطلاق الإرادة على المقدّمات ، فتكون الحيوانات حينئذ كلّها ذوات إرادة.
الثالث : المخلوقات التي لها الإحساس والشهوة والرغبة والإدراك كالإنسان ، فإنّه يفعل فعله بحثّ من الشهوة والرغبة وإرشاد من الإدراك ، فهو