فالقول بأنّ نكاح الإماء عند الضرورة لم يكن تخفيفا ، لأنّه كان معمولا قبل الإسلام على كراهة وذمّ ، والإسلام حلّل ذلك لنفي الكراهة والنفرة ، ببيان أنّ الأمة كالحرّة إنسان لا تفاوت بينهما.
مردود بأنّ ذلك لا يوجب رفع التخفيف عن هذا الحكم التربوي التهذيبي ، فإنّه لو لم يكن للإنسان الطول في نكاح الحرائر ، وخاف الوقوع في المشقّة ، فأي حالة لو حرّم الشارع نكاح الإماء ، فالتحليل كان تخفيفا عليه بأوسع ما بين السماء والأرض ، ولا ضير في أن يجتمع فيه عنوان التربية ، فيتربّى على تهذيب النفس واعتبار جميع أفراد الإنسان على حدّ سواء وذو لياقة للمصاحبة والمعاشرة.
قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً).
بيان لحقيقة من الحقائق التكوينيّة ؛ لأنّ الإنسان بفقر إمكانه محتاج إلى من يفيض عليه ما يوجب سعادته ، وقد خلقه الله تعالى مركبا من قوى متخالفة ، تشوّقه إلى المشتهيات وتبعثه إلى ارتكابها ، فمنّ الله تعالى عليه أن شرّع له أحكاما لتهذيب تلك القوى ، وجعل زمامها بإرادة حكيمة تهديه إلى السعادة. هذا إذا كان المراد بالإنسان ما هو المتعارف بين عامّة الناس ، وهذا أمر وجداني لهم ؛ لأنّه محاط بحوادث تؤرّقه وتسلب راحته ، وكيف لا يكون ضعيفا مع أن الذباب يؤذيه ، والبعوض يدميه ، والحرارة تضعفه ، والبرودة تسلب قواه ولا يمكن تحصيل مقاصده إلا بصعوبة ومشقّة كبيرتين ، وفي طريق الوصول إلى مراده من العقبات.
وأمّا إذا كان المراد به تلك اللطيفة الربانيّة التي هي مسجد الأملاك وغاية حركات الأفلاك ، وما خلقت الدنيا والآخرة إلا لأجلها ، فإنّ ضعفه إنّما هو لأجل هيمنة الجلال والجمال المطلقين عليه ، وقد استغرق في دهشة الكبرياء التي تخطر كلّ آن في قلبه (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا