الحال ، فإنّ التوراة قد بشّرت برسالة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، وأنّ القرآن الكريم المنزل عليه مصدّق لها.
قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها)
مادة (طمس) تدلّ على محو أثر الشيء واستئصاله ، وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في خمسة مواضع. والدائر والدارس متقاربة المعنى ، ونطمس ـ بكسر الميم وبالضم لغة ـ مضارع طمس بفتحها يستعمل قاصرا ، ومتعدّيا كما في الآية الشريفة ، وفي قوله تعالى : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) [سورة القمر ، الآية : ٣٧] ، ويعدّى ب (على) كما في قوله تعالى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة يونس ، الآية : ٨٨] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) [سورة يس ، الآية : ٦٦] وطمس البصر هو محو أثره ، أي : أعميناهم ، قال الشاعر :
من يطمس الله عينيه فليس له |
|
نور يبين به شمسا ولا قمرا |
والوجوه : جمع الوجه ، وهو ما يستقبل من الشيء ويظهر منه ، وفي الإنسان الجانب الظاهر المقدّم من الرأس الذي يستقبلك منه ، ويستعمل في الأمور الحسيّة ، كما يستعمل في الأمور المعنويّة ، فيقال : وجه الشيء ، أي : حقيقته. والتنوين في الوجوه لتهويل الأمر مع لطف ، حيث إنّ العذاب لا يلحق إلا ببعضهم ، ويحتمل الانطباق على كلّ فرد من القوم ، فلا يأمن أحدهم من هذا العذاب.
والأدبار جمع دبر ـ بضمتين ـ وهو القفا ، وجملة : (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) عطف تفسيري للطمس وبيان له ، فيكون الطمس محمولا على ظاهره ، أي : نمحي أثر الوجه ونجعله كالادبار ، بتغيير الخلقة الأصليّة ، وهو يوجب عدم قيام الإنسان بوظائفه الحيويّة وعدم تحقّق المقاصد التي فطر عليها الإنسان لو كان على غير الصورة التي خلقها الله تعالى ، فإنّ الإنسان على خلقته الأصليّة يسعى