وقيل : إنّ (قَلِيلاً) صفة لموصوف محذوف ، أي : لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، ولكن اتصاف الإيمان بالقلّة إنّما هو بلحاظ المتعلّق ، فيرجع إلى ما ذكرناه.
والقول : بأنّ المراد حينئذ قليل الإيمان مقابل كامله ، أي : لا يؤمنون إلا قليلا من الإيمان الذي لا يعتدّ به لجحودهم وعنادهم وغيّهم ؛ لأنّ اللعن إنّما كان على الأفراد ، ولعنة الله تعالى إيّاهم لا يجوز أن يتخلّف عن التأثير بإيمان بعضهم ، فاستوجب أن يكون المراد قليل الإيمان الذي لا يعتدّ به ، وهو لا يوجب رفع اللعنة عنهم.
فاسد : أما أوّلا ، فلان الإيمان يتّصف بالكامل والناقص والمستقرّ والمستودع ، كما ورد في القرآن الكريم ، ولم يرد فيه اتصاف الإيمان بالقلّة والكثرة.
وثانيا : فلأنّ الإيمان القليل ـ سواء كان صوريّا أم قلبيّا ـ ممّا يعتني به الإسلام ، قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [سورة النساء ، الآية : ٩٤] ، وهو يوجب رفع اللعنة عنهم.
وثالثا : لا فائدة في هذا الاستثناء بعد استحقاقهم اللعنة مطلقا.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا)
خطاب عامّ لجميع أهل الكتاب بالإيمان بما أنزل الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوآله من القرآن والشريعة وصفات النبيّ صلىاللهعليهوآله ، التي عرفوها بأوصافه في كتبهم.
وإنّما نسبهم إلى إيتاء الكتاب باعتبار أسلافهم الذين أوتوا الكتاب مصونا من التحريف وعرفوا حقائقه وأحكامه ، وهو يكفي في الداعويّة إلى الإيمان بالرسول الكريم.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ)
ممّا ورد في الكتاب من التوحيد والبشارة برسوله صلىاللهعليهوآله وبعض الحقائق التي لم تصل إليها يد التحريف والنقصان ، وإنّما عبّر سبحانه وتعالى (لِما مَعَكُمْ) دون أن يذكر اسم التوراة ، مع كون الخطاب معهم ، إيذانا بكمال وقوفهم على حقيقة