الثالث : يدلّ قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) ، أنّ اهتمام اليهود هو تحريف الكلام ، وهو من أهمّ ما اتّصفوا به في العصور ، وقد ذكر عزوجل في مواضع متعدّدة في القرآن الكريم وجوها مختلفة لذلك ، وفي المقام ذكر سبحانه وتعالى وجها آخر ، وهو تغيير الكلام وإظهاره بصورة الدعاء والخير ، وهم يقصدون وراء ذلك شيئا آخر ، كالطعن في الدين والحطّ من منزلة سيد المرسلين أمام أتباعه من المؤمنين ، وقد بيّن عزوجل للمؤمنين هذه الخديعة ، وأمرهم بالحيطة منهم وأرشدهم إلى ما يصحّ أن يقال في مقام التخاطب ، ليفوزوا بالخير والسعادة.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) ، على أنّهم غيّروا مواضع الآيات المباركة ، وبه تغيّر المعنى واختلف ، ونظير ذلك قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤١] ، ولعلّ الأخير يدلّ على أنّ التحريف كان بحذف الكلام أصلا ، بخلاف الأوّل ، فإنّه يدلّ على أنّ التحريف بتبديل مواضع الكلمات.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أنّ في القرآن الكريم الشيء الكثير ممّا ورد في كتبهم التي لم تنله يد التحريف ، فهذا الدين يتفق مع سائر الأديان الإلهيّة في الأصول وكثير من الفروع ، فهي تدعو إلى التوحيد والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش ، وتأمر بالتحلّي بمكارم الأخلاق ، كما يدعو القرآن إلى ذلك ، فلا يجوز الإعراض عن مطاولة الحقّ والإيمان بالإسلام وإلا فإنّ الجزاء المعدّ لهم يكون عظيما ، وقد ذكر عزوجل نوعين من الوعيد ، الطمس واللعنة ، وهما يوافقان العمل العظيم الذي هم كانوا عليه ، فكان الجزاء موافقا للعمل ، وهو أنّ القوانين الإلهيّة المعروفة هي مشاكلة العقوبة مع الجناية.
السادس : تدلّ نوعية الجزاء ـ وهي الطمس واللعنة ـ على نوع العمل