ومن هنا يظهر وجه التفريع في الآية اللاحقة على هذه الآية المباركة ، باعتبار أن النكاح المؤقّت إنّما شرّع لأجل تحصين النفس والتعفّف ، كما هو الحال في النكاح الدائم ، فهو مغاير للسفاح البتة.
وممّا ذكرنا يتبيّن فساد ما ذكره بعض المفسّرين من أن المراد من المسافحة مطلق سفح الماء وصبّه ، من غير أن يقصد به الغاية التي وضع الله تعالى لأجلها الداعيّة الشهويّة ، وهي غرض تكوين البيت وإيجاد النسل والولد ، فيكون الإحصان المقابل للسفاح هو الزواج الدائم الذي يكون الغرض منه التوالد والتناسل.
وفساد ما ذكره واضح ، فإنّ الآية الكريمة لم تشر فيها إلى أنّ غاية النكاح مجرّد التوالد فقط ، وقد اختلط عليه البحث ، فإنّ الأمر لو كان كذلك لكان النكاح الذي لا يتوفّر فيه غرض التوالد والتناسل باطلا ، سواء كان من جهة عدم قابلية تكوين المرأة لذلك ، كالكبيرة والصغيرة ، أو لأجل مرض أو مانع عابر ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، فالنكاح سنّة مشروعة بين الرجل والمرأة ، به يستغنى أحدهما بالآخر ، فيحصل تحصين النفس وتعففها وتكوين الاسرة التي تجتمع فيها أسباب السعادة والكمال ، بخلاف السفاح والزنا.
والمسافحة : من السفاح وهو الزنا ، والسفح هو صبّ الماء ، فكأن الزاني بحكم غلبة الشهوة عليه لا غرض له إلا صبّ النطفة فقط ، مع قطع النظر عن ما يلزمه من اللوازم السيئة ، بخلاف الإحصان ، فإنّه نكاح توفّر فيه قصد التحصين والعفاف ، مع الالتزام بجميع ما يترتّب عليه من الآثار واللوازم الحسنة.
وممّا ذكرنا يظهر أن المراد بالإحصان في الآية الشريفة ، إحصان عفّة وتحصين النفس عن الوقوع في الحرام ، مقابل السفاح والزنا.
قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً).
تفريع على الجملة السابقة في الآية المباركة المتقدّمة التي بيّنت الحدّ الفاصل بين النكاح الذي يبتغي منه الإحصان ، وبين الزنا والسفاح ، فيكون العقد