والنعاس ونحو ذلك ، مع أن الهجران كذلك لا يكون عملية تربويّة إصلاحية ، فإنّ نظر الإسلام في هذا الحكم هو الإصلاح والتربية ، وليس مجرّد إظهار الرجل سلطنته واستعلاءه على المرأة.
ثمّ إنّ الهجر من الهجران ، وهو البعد ضدّ الوصل ، يقال : هجره ، أي : تباعد ونأى عنه ، وفي الحديث : «ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا» ، أي : بعيدا عن الإخلاص ، كأنّ قلبه مهاجر للسانه ، وبينهما بعد وغير مواصل له.
والمضاجع جمع المضجع ، وهو محلّ المبيت والسكن والراحة ، والاضطجاع أي : النوم ، وفي الحديث : «كانت ضجعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أدما حشوها ليف» ، أي : كانت مخدته التي ينام عليها من جلد حشوها من ليف.
وإنّما جعل المضاجع محل الهجران ليعلم أنّه لا بد من حفظ المضاجعة ، فلا يتحقّق بهجر المضجع ، فإنّ الاجتماع فيه يثير الشعور ، والهجران فيه له الأثر البليغ.
وإتيان الجمع إما لأجل ملاحظة مجموع المضاجع التي يتّخذها الرجل للمبيت مع المرأة ، أو لأجل بيان حفظ المضاجعة في الهجران دون تركها ، كما ذكره جمع من المفسّرين واعتمدوا على ما ورد من ابن عباس ، قال : «لا تضاجعها في فراشك» ، فإنّه موهون بمعارضته مع غيره ، مع كونه خلاف ظاهر الآية الشريفة الدالّة على كون المضاجع ظرفا للهجران ، إلا أن يتكلّف في تأويل الآية المباركة.
قوله تعالى : (وَاضْرِبُوهُنَ).
عقاب بدني لمن لم تصلحها الموعظة ولا الهجر في المضاجع ، وإنّما تصل النوبة إليه عند بلوغ النشوز مرتبة لا يؤثّر فيها إلا تأديب يناسبها ، فإنّ من الناس من لا يفيده إلا هذا النوع من التأديب ، فلا بد فيه من إظهار أنّ الرجل له سلطة التأديب ، ولكن لم يطلق الإسلام العنان له ، فقيّده بأن لا يكون مبرّحا كما ورد في السنّة الشريفة.