بالنسبة لعذاب لا أمد فيه ولا ينقطع ألمه ولا يقف عند حدّ ، وأوّل ما يتصوّره الإنسان من ملاحظة هذه الآية الشريفة أنّ الاحتراق يصيب الجلد كلّه بما فيه من الإحساس ، وأنّ صاحبه لا يجد الراحة ، فلا يشفى ولا يموت ، فإذا احترق منه الجلد ونضج كما ينضج اللحم بالنّار ، فلا بد أن يقلّ إحساسه إن لم نقل بزواله ، فإذا له في نفس اللحظة جلد جديد بكامل إحساسه ينقل إليه الحسّ بالعذاب ليذوقه ، فهو في احتراق دائم لا يتوقّف ولا يكفّ ولا يقلّ ، فنفس تصوّر مثل هذا العذاب وتخيّله أمر فوق الطاقة يثير الخوف والدهشة ، ولا يمكن تحمّله فكيف بالعذاب الحقيقي؟! فما بال الإنسان لا يتذكّر في عواقبه وما يرد عليه ، وما أعظم غفلته وما أكثر إعراضه!
والآية الشريفة المباركة تبيّن الحقيقة والواقع الذي يؤول إليه الكافر ، وليست هي مجرّد تمثيل أو كناية ، كما يدّعيه بعض المفسّرين.
ومسألة نضج الجلود أثّرت في النفوس وغلبت على مشاعر المؤمنين ، فآمنوا بما أنزله تعالى واسترهبوا قدرته واستوهبوا مغفرته ورضوانه ، وقد اختلف العلماء والمفسّرون في مسألة تبدّل الجلود إلى جلود اخرى ، فأثاروا مسألة اخرى ، وهي كيفية استحقاق الجلود الجديدة للعذاب ، وذكروا وجوها في دفع هذه المشكلة ، جميعها لا تجدي شيئا ، وهذه المسألة من فروع المعاد الجسماني الذي دلّت عليه آيات كثيرة ، قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً* وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) [سورة الاسراء ، الآية : ٤٨ ـ ٥١] ، وقد غفلوا عن أمر القيامة وبقاء الأجسام في النّار العظيمة المهولة ، مع أنّها لا تقلّ عن تبديل الجلود إلى جلود اخرى ، فهي جلود جديدة مكوّنة من نفس البدن المستحقّ للعذاب ،