وقد وصفهم عزوجل بكتمان الحقّ وعدم تبيين آيات الله تعالى ومعارفه ، وفي هذه الآيات إشارة إلى أنّ تلك الأمانات مأخوذ عليها الميثاق أن تبيّن للناس ، فلا بد أن لا تكتم عن أهله ، ولكن اليهود خانوا الأمانة فكتموا الحقّ عن أهله ، وقد حكى عزوجل جملة كثيرة من خياناتهم ، منها : حكمهم للمشركين بأنّهم أهدى سبيلا من المؤمنين.
ومنها : بخلهم بالحقّ وعدم بيانه.
ومنها : تحريفهم لكلام الله تعالى ، ولأجل ذلك استحقّوا اللعنة وعذاب السعير.
الخامس : إنّما قدّم عزوجل الأمر بأداء الأمانة على الأمر بالعدل في الحكم ؛ لأنّ الأخير إنّما يكون عند التنازع والمشاجرة والخصام والخيانة بالأمانة ، وتنفيذ الأمر الأول يرفع موضوع الثاني ، فإذا راعى الناس أماناتهم وأدّوها إلى أهلها لا يبقى مجال للاحتياج إلى الحكم بالعدل ؛ ولأنّ قوام النوع الإنساني إنّما يكون بأداء الأمانة ، وبدونه يختلّ النظام ، فهو أساس كلّ حكومة ومصدر كلّ نظام ، وعزّ كلّ سلطان ، وهو روح العدالة ، وبحفظ الأمانة تصل الامة إلى كمالها وسعادتها.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، على أنّ كلّ طاعة سوى هاتين الطاعتين باطلة ، لا سيما إذا لا حظنا ورود هذه الآية بعد تقريع اليهود والمشركين وذمّهم بالإيمان بالجبت والطاغوت.
والمستفاد من الآية الشريفة أنّ هناك طاعتين مفروضتين ، هما طاعة الله تعالى المتمثّلة في العمل بكتاب الله تعالى وما أنزله على نبيّه الكريم في الأحكام والمعارف ، وطاعة اخرى هي طاعة الرسول واولي الأمر ، وهذه الإطاعة مطلقة غير مشروطة بشيء ، فالمستفاد منه أنّ كلّ ما ينطق الرسول صلىاللهعليهوآله ويحكم به هو من الله تعالى ويجب طاعتهما ، ولا يتمّ ذلك إلا بعصمته ، وإلا كان فرض طاعته تناقضا.