وإنّما خصّ عزوجل هاتين الصفتين بالذكر ؛ لأنّه تعالى قد أوصى بالإحسان إلى من ذكرهم في الآية الشريفة ، وختمها بابن السبيل وما ملكت أيمانكم. ووجود هؤلاء عرضة لإثارة الخيلاء والكبر وإثارة الاستعلاء في نفوس ذوي المال والجاه ، فيسيئون بالنسبة إلى من أمر الله تعالى بالإحسان إليهم ، ويحجبون عن تنفيذ وصايا ربّهم ، فأتى التوجيه الربوبيّ بالتنفير من هذا الخلق الذميم والنهي عن الاتصاف به ، وشدّد النكير عليه وأظهر عظيم الجزاء بأن أخبرهم أنّ الله لا يحبّ من كان مختالا فخورا ، والمؤمن الذي يعبد الله ولا يشرك به لا بد أن يبتعد عن الأمر الذي لا يرضى الله تعالى به ، فيحسن إلى الناس ويقوم بوظائف العبودية بغير كبر وخيلاء ، فلا بد من الابتعاد عنهما ليجلب رضاء الله تعالى ، فإنّه من أعظم الكمالات ، بل هو السعادة الحقيقيّة.
وقد وردت هذه الجملة : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ) في القرآن الكريم في أكثر من عشرين موضعا ، وجميعها تدلّ على بعد متعلّقها عن مرضاة الله تعالى ، وأنّه من رذائل الصفات وذمائم الأخلاق وخبث الباطن ، وإنّما خصّ هذا بالذكر لأهميته ، فإنّ كتمان ما آتاهم من الفضل في العلم بنبوّة رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفاته ودينه الحقّ ، أمر عظيم لا يدانيه أمر آخر.
ويحتمل أن يكون اللفظ عامّا : فيشمل جميع أفراد الفضل ، من المال والغنى والجاه والعلم. ومنه العلم بنبوّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكتمان ذلك إنّما يكون بتظاهرهم بمظهر الفاقد المعدم ، والجاهل الذي ليس له علم ، لئلا يرجع إليهم سائر الناس للسؤال عن أموالهم ، وللحفاظ على مقامهم وجاههم ، فإنّه لو أظهروا الحقّ وبيّنوا للناس لفقدوا ذلك.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)
بيان لبعض مظاهر الاختيال والفخر ، فإنّه بعد ما تحدّث سبحانه وتعالى عن الوصايا التي توجّه النفوس إلى الكمال ، وتحرّضهم على البذل والعطاء