التنويع في الاختصاصات وعدم الإخلال بتلك المهمّات الأصليّة ، وخلاف ذلك إفساد للفطرة وابطال للنظام ، وبدون ذلك لا يستقيم المجتمع البشري ويضطرب أشدّ الاضطراب ، كما نراه في الجاهليّة المعاصرة عند ما خرج الناس عن الفطرة وطلبوا المساواة بين الجنسين ، ولهذا نرى أنّ النهي عن التمنّي إنّما هو لأجل إبطال الفوضى الذي يكون عند تحقّق ذلك التمنّي في الخارج ، فيكون النهي لقطع منابت الشرّ والفساد ، وما يوجب هلاك الحرث والنسل ، كلّ ذلك يظهر من قوله تعالى : (ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) وهو على إيجازه البليغ وأسلوبه البديع تبيّن جهة الفضل والمزيّة التي اختصّ بها كلّ طائفة من الرجال والنساء ، ويدلّ على أنّ تلك الخصوصية فضل وزيادة في كلّ واحد من الجنسين على الآخر ، ولا معنى لتمنّي ذلك الفضل الذي يوافق خلقته.
ثمّ إنّ التمنّي تنقسم إلى أقسام أربعة ذكرناها في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٩٤ ـ ٩٥] ، وأنّ أصولها تكون في الغاية التي تكون فيها التنافس ، سواء أكان في امور الدنيا أم الآخرة ، وتقدّم أنّ نفس التمنّي مذموم ؛ لأنّه مخالف للحكمة المقدّرة والمصالح التي لم يطلع على سرّها إلا ربّ العالمين ، إلا إذا كان التمنّي متعلّقا بعالم الآخرة ونعيمها مع تهيئة الأسباب وتقديم الأعمال له ، فهو غاية دعوة الأنبياء ومن أهمّ مقاصد الكتب السماويّة ، فهو ممدوح عقلا وشرعا.
وأما الفضل الذي ميّز الله تعالى به كلّ فريق عن الآخر ، إما أن لا يتعلّق به الكسب والعمل ولا يمدح الفاضل فيه بالجدّ والتشمير ، كما لا يذمّ المفضول بالتقصير ، وفي مثل ذلك يذمّ التمنّي فيه كما عرفت آنفا.
وإما أن يكون ممّا ينال بالسعي والجهد والتشمير ، وفي مثل ذلك يمكن أن يتحقّق التمنّي فيه.