بحث عرفاني
المراد من قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) هو القتل بغير الحقّ ، وأمّا إذا كان بحقّ فهو محبوب ، وهو يتحقّق في موارد :
منها : القتل قصاصا ، قال تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [سورة الاسراء ، الآية : ٣٣].
ويمكن إدخال هذا الموارد في منطوق الآية الشريفة أيضا بأن يقال : لا تقتلوا الغير فتعرّضوا أنفسكم إلى القتل ولو كان قصاصا ، فتدلّ الآية المباركة على النهي عن تعريض النفس للقتل والهلاك.
ومنها : القتل في سبيل الله وجهاد الحقّ مع الباطل ، قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩ ـ ١٧٠] ، وقال تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٥].
ومنها : القتل الذي هو قرّة عين الأولياء المتّقين والعرفاء الشامخين ، وهو قتل النفس الأمّارة بالسوء والشهوات الحيوانيّة ، وهو الذي أشار إليه سيد الأنبياء بقوله صلىاللهعليهوآله : «موتوا قبل أن تموتوا» ، وقد حثّت عليه السنّة الشريفة بألسنة شتى ، ففي الحديث : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» ، لكن يجب أن يكون بالشروط المعتبرة المذكورة في علم الأخلاق ، بل لم يوضع هذا العلم إلا لأجل ذلك ، وله طرق متعدّدة ، ومن أهمّها حقيقة الإيمان بالله تعالى ورسوله ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) [سورة النساء ، الآية ١٣٦] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٨] ،