التفسير
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ).
جملة مستأنفة لبيان سوء حال من اوتي نصيبا من الكتاب ـ وخاصّة اليهود الذين يدعون لأنفسهم الكمال ـ من حسدهم وحقدهم ، فقد قال عزوجل في حقّهم : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة النساء ، الآية : ٥٤] ، وسيأتي في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [سورة النساء ، الآية : ٤٩] ، بعض الكلام ، فإنّ الحسد الذي نبت في قلوبهم لأجل أنّهم يحسبون أنفسهم أفضل أهل الأرض ويدّعون الكمال ويرون أنّهم جديرون بالخير.
والخطاب وإن كان متوجّها لسيد الأنبياء صلىاللهعليهوآله وفخر الموجودات ، لكنّه متوجّه إلى التابعين له أيضا باعتبار أنّه سيدهم.
والتعبير بالنصيب للدلالة على أنّهم لم يحفظوا ذلك ولم يتعهّدوا بالعمل به ، فقد احتفظوا بالاسم دون العمل به ، وأنّهم أهملوا الشيء الكثير ممّا أوتوا ولم يبق إلا النزر القليل الذي لا بد من الاحتفاظ به.
والتنوين في قوله تعالى : (نَصِيباً) للتفخيم أو للتكثير ، وكلاهما يثبت التشنيع.
والمراد بالكتاب جنسه ، ليشمل كلّ من أوتي علما ينتهي إلى الوحي ، فيشمل اليهود والنصارى والمجوس والمنافقين ، وإن كان ظاهر السياق يختصّ باليهود ، فإنّ هذا الخطاب يستعمل في حقّهم في القرآن الكريم ، وهم الذين عرفوا بالعداء والحقد لكلمة الله تعالى ودينه والمؤمنين به.
والخطاب لا يختصّ بعصر النزول ، فإنّ ما ورد في هذه الآية الشريفة لبيان أحوال أعداء الدين وكيدهم للإسلام والمسلمين ، وهو ليس من شأن