الفرق العظيم بينهما ، فإنّهما على طرفي النقيض ، وعلى قطبين متخالفين من السعادة والشقاوة ، فأما دخول الجنّات والتنعّم بأنواع النعم ، وأما دخول جهنم والصلي بالنار والعذاب الأبدي ، الذي صوّره عزوجل في الآية التالية بأعظم صورة وأبدع أسلوب.
قوله تعالى : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)
توعيد لمن صدّ عن الحقّ وتهديد لهم بعذاب جهنّم التي لا ينقطع سعيرها ، فإنّهم عذاب الدنيا ، ولكنّه كفاهم سعير جهنم ، والسعير بمعنى المسعور ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، يقال : سعر النّار أو أسعرها ، إذا أوقدها إيقادا شديدا.
وإنّما كان جزاؤهم ذلك لأنّهم سعّروا نار الفتنة على النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلى الذين آمنوا ، وصدّوا الناس عن الإيمان به.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً)
تقرير لما سبق وتفصيل بعد إجمال ، وتعقيب يملك مشاعر النفس ويؤثّر فيها أشدّ التأثير ، وعموم الآية المباركة يشمل كلّ من كفر بآيات الله تعالى ودينه الحقّ ، وإن ذكرت بعد الكفر بما انزل على آل إبراهيم ، فإنّهم سوف يصلون نار جهنّم ويدخلونها يوم القيامة.
وإنّما دخلت «سوف» لإمهالهم حتّى يرجعوا إلى دين الحقّ ، كما هو دأب القرآن الكريم في بيان العذاب ، وذكر بعضهم أنّ (سوف) للتهديد ، وسيأتي في البحث الأدبي ما يتعلّق بذلك.
قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها)
أعظم آية تثير الرهبة والفزع في النفس ، وهي تملك الحّس ويقشعرّ منها الجلد ، فلا تدع مجالا للتفكّر في غير الإيمان ورفع هذا العذاب الأبدي ، الذي لا يعرف مداه ، فإنّ أعظم ما يصيب الإنسان من العذاب في الدنيا هو الحرق بالنار والألم الذي يحسّه منه هو شديد ، ولكنّه مع ما فيه من القوّة والشدّة هو هين