وفي الفلسفة الحديثة : أنّ الإرادة خاصيّة مستقلّة عن المؤثّرات والظروف الخارجيّة ، ولكن للفطنة والحكمة سلطة عليها ، التي تصدر الحكم الذي تبلّغه الإرادة إلى القوى الفاعلة ، فتكون الإرادة هي الأمر بالعمل أو النهي عنه.
وهذه هي المسألة المعروفة التي ذكروها في علم الأصول ، وهي اتحاد الطلب والإرادة ، وسيأتي موجز الكلام فيها.
فالإرادة : جهد نفسي وعملية ذهنيّة يقوم عليها الصمود ورباطة الجأش ، بل قال بعض الفلاسفة : إنّه لا إرادة حيث لا استطاعة. وقد ذهب بعض المادّيين إلى أنّ الإرادة ثمرة المعرفة والتجربة والتربية.
وبعبارة اخرى : أنّ الإرادة الإنسانيّة ليست غير ما تمليه قوانين الطبيعة والمجتمع ، وهذه طريقتهم في تفسيرهم لكلّ الأمور في هذا العالم.
وما أبعد مقالة هؤلاء عمّا يقوله بعض الفلاسفة الرواقيين من أنّها أساس المعرفة والسلوك ، ولكن لا يمكن إنكار تأثّر الإرادة الإنسانيّة بما يحيط بها من البيئة والمجتمع.
والإرادة هي الدافع الرئيسي والعامل النفساني الأوّل في الفعل الإنساني وما يصاحبه من الانفعالات. وفي الإسلام تعتبر الإرادة من أهمّ مقومات الجزاء ، وهي محور الأخلاق والسلوك ، وسيأتي في بحث إرادة الله تعالى أنّ نظام الكون يتقوّم بإرادته عزوجل ، وحينئذ يحقّ لنا أن نقول إنّ أساس الكون هي الإرادة ، سواء إرادته عزوجل ، أم إرادة المخلوق في تنظيم النظام وصدور الأفعال.
ولا بد لكل إرادة من متعلّق وهو المراد ، وبها يفترق العمل الإرادي عن اللاإرادي ، وتختلف الإرادة حسب اختلاف المتعلّقات ، فلا يمكن حصر أقسامها. ولكن ذهب بعض الفلاسفة إلى تقسيم الإرادة إلى أربعة أقسام ، التي هي اصول كلّ إرادة ، وهي :
إرادة الحياة ، وهي الجهد الذي يبذله كلّ فرد للحفاظ على صورة الحياة ،