لبيان أنّهم مهما حاولوا استخفاء حقيقتهم عن الناس ، ومهما تظاهروا بالإيمان ، فإنّ الله تعالى يعلم ما في قلوبهم ولا تخفى عليه خافية وستظهر حقيقتهم.
والآية المباركة تدلّ باسلوبها البليغ على تعظيم الأمر وتهويله وفظاعته.
قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ)
بيان لفساد ضمائرهم ، إذ لو لم يكن كذلك لما أمر الرسول صلىاللهعليهوآله بالإعراض عمّن يقول الحقّ : في قوله ، وإنّما كان توجيه الرسول صلىاللهعليهوآله بالإعراض عنهم مطلقا ، سواء في قبول عذرهم أم غير ذلك ، وأمره صلىاللهعليهوآله بوعظهم ليرجعوا عن غيّهم وعنادهم ويكفّوا عن النفاق ويستقيموا على أمر الله تعالى ، ويقبلوا حكم الله وحكم الرسول.
(وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)
توعيد لهم ، فإنّ الأسلوب يحمل النذير ، أي : قل لهم قولا يبلغ من نفوسهم الأثر الذي ترجوه منه ، وهو الرجوع عن غيّهم وفسادهم ، وترك النفاق والرجوع إلى الحقّ.
والظاهر أنّ الأمر بالإعراض والموعظة إنّما كان قبل نزول الأمر بقتالهم ، فإنّ بهما تجلب النفوس اللائقة والمتأهّلة للحقّ إلى الصراط المستقيم ، فإذا لم تنفعها تصل النوبة إلى القتل لأجل الرضوخ إلى الحقّ.
وقد اختلف المفسّرون في المراد من الآية الشريفة ، فقيل : قل لهم منفردا بهم لا يكون معهم أحد ؛ لأنّه ادعى إلى قبول النصيحة ، فإنّ النصح بين الملأ تقريع.
وقيل : قل لهم في شأن أنفسهم قولا مؤثّرا.
وعلى كلا القولين يكون الظرف (فِي أَنْفُسِهِمْ) متعلّقا بالأمر «قل».
وقيل : إنّه متعلّق ب «بليغا» ، أي : قل لهم قولا بليغا في أنفسهم ، ولا يضرّ تقديم معمول الصفة على الموصوف الذي هو جائز عند جمع كثير من النحويين.
وقيل : المراد أنّه أمر بالقول البليغ.