قوله تعالى : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ).
المراد من الفاحشة هي التي توجب الحدّ ، وهي الزنا والمساحقة ، والعذاب : الحدّ ، وهو هنا الجلد دون الرجم ؛ لأنّه لا يقبل التنصيف ، والمحصنات هنا الحرائر ، وقد ورد الإحصان في القرآن بمعان أربعة ، الأوّل : التزوّج ، والثاني : العفّة ، والثالث : الحرّية ، والرابع : الإسلام ، كما قيل في تفسير قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ).
واللام في «العذاب» للعهد ، وهو ما ورد في قوله تعالى : (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [سورة النور ، الآية : ٢] ، فالذي ينصف من حدّ الزنا هو المائة جلدة ، وتقدّم أنّ الرجم ليس له نصف ، بل هو مقدّمة لإزهاق الروح.
والمعنى : فإذا فعلن الفتيات المؤمنات الزنا بعد إحصانهن بالزواج ، فعليهن نصف حدّ الحرائر غير المزوّجات ، وهو جلد خمسين جلدة ، ويدلّ على ذلك أحاديث متعدّدة مرويّة من الفريقين ، سيأتي ذكرها في البحث الروائي.
وممّا ذكرنا يعرف أنّه لا مفهوم للشرطيّة في قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ) ؛ لقيام الدليل عليه. وإنّما ذكر إحصان الزواج في الشرط المجرّد عن المفهوم لأنّه كان مفروض الكلام ، وقد ذكر في ما تقدّم ، فلا يؤثّر الإحصان فيها شيئا زائدا ، فهي متّحدة في كلتا الحالتين ، ونظير الآية الشريفة في انتفاء المفهوم قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [سورة النور ، الآية : ٣٣] ، ولعلّ فائدة مفهوم الشرط في المقام لبيان اختلاف حكم الأمة مع حكم الحرّة في هذه الحال ، وأنّه يجب عليها الجلد خمسين خاصّة في الحالتين.
وذهب بعض المفسّرين من الجمهور إلى العمل بمقتضى مفهوم الشرط والحكم بعدم وجوب الحدّ عليها إذا لم تكن محصنة ، وقال : إنّ تفسير المحصنات في هذه الآية الكريمة بالحرائر مقابلة للإماء ، ليس بسديد ، وأيّده بحصول الشبهة لهن بتجويز الزنا لهن في هذه الحال.