فإنّ الجنّة لا يدخلها أحد إلا بعد التطهير من الدنس ورذائل الصفات ، قال تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ٤٣].
وفي إضافة الإدخال إلى ذاته المقدّسة فيها غاية اللطف ونهاية العناية وكمال المحبّة ، حيث إنّه تعالى بعد المخالفة وكفران السيئات باجتناب الكبائر يدخل العبد مدخلا كريما.
بحوث المقام
بحث دلالي
تدلّ الآية الشريفة على امور :
الأوّل : أنّ الآية المباركة باسلوبها الجذّاب الدال على اللطف والحنان والمحبّة ، وسياقها الظاهر في الزجر عن ارتكاب المعاصي والمتضمّن للوعد للتائبين بعظيم الجزاء ـ تدلّ على أنّ المنهي في الشريعة منه ما هو كبير ومنه ما هو صغير ، والمستفاد منها أنّ المقياس في الكبائر والصغائر هو نسبة بعضها إلى بعض حيث جعل عزوجل الكبائر مقابل السيئات ، ولم يبيّن سبحانه وتعالى الوجه في تشخيص كون المعصية كبيرة أو صغيرة ، وقد تعرّضت السنّة الشريفة إلى بيان المقياس في ذلك ، وسيأتي في البحث الأخلاقي تفصيل ذلك.
والآية المباركة ردّ على من زعم أنّ المعاصي كلّها كبائر ، حتّى قال بعضهم : إنّه لا يمكن أن يقال في معصية إنّها صغيرة إلا على معنى أنّها تصغر عند اجتناب الكبائر ، فالمعاصي كلّها كبائر ، وهذا اجتهاد منهم في مقابل النصّ ، إلا أن يراد أنّها كبيرة بالنسبة إلى أصل المخالفة وعصيان الله تعالى وعظمته عزوجل ، كما عرفت آنفا ، وأشار إلى ذلك بعضهم فقال : إنّهم كرهوا تسمية المعصية صغيرة ، نظرا إلى جلال الله تعالى وعظمته وشدّة عقابه ، فإنّ المعاصي إذا لوحظت بالنسبة إليه تعالى كبيرة.