وذكر العلماء والمفسّرون في تفسيرها وجوها اخرى :
الأول : أنّ ظاهر الآية المباركة يدلّ على أنّ الحكم المجعول فيها إنّما هو لمصلحة الامة ، تحفظ به الاجتماع الإسلامي من الخلاف والتشتت والانهيار ، فيعطي لواحد افتراض الطاعة ونفوذ الكلمة ، مثل أنواع الولايات المجعولة بين الأمم ، ولا يتوهّم أحد لزوم عصمتهم في مثل ذلك ، وربّما يعصي الوالي المنصوب وربّما يغلط ، فإذا اتفق ذلك فلا بد من التنبيه فيما أخطأ وعدم الإطاعة في المخالفة للقانون في حكمه ، بل يمكن أن يقال : إنّه ينفذ حكمه وإن كان مخطئا في الواقع ولا يعتنى بخطئه ، فإنّ حفظ وحدة المجتمع والتحرّز من تشتت الكلمة من مصلحة تدارك أغلاطه واشتباهاته ، فطاعة اولي الأمر كطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله بمقتضى الاشتراك ، إلا أنّ وجود العصمة في الرسول صلىاللهعليهوآله ممّا دلّت عليه الحجج والبراهين ، فاقتضت أن لا يصدر منه الخطأ والغلط والنسيان في الحكم ، دون اولي الأمر ، فلا يجب فيهم العصمة ولا يستلزمها دلالة الآية الشريفة ، فتكون طاعة اولي الأمر واجبة وإن كانوا غير معصومين يجوز عليهم الفسق والعصيان والخطأ ، فإن فسقوا فلا طاعة لهم ، وإن اخطأوا ردّوا الى الكتاب والسنّة إن علم منهم الخطأ ، وإلا فينفذ حكمه ، ولا بأس بالوقوع في المخالفة أحيانا لوجود مصلحة أقوى ، وهي مصلحة حفظ وحدة المجتمع ، نظير ذلك ما ذكره علماء اصول الفقه في حجّية الطرق الظاهريّة ، فإنّها إن خالف مؤدّاها للواقع تتدارك تلك المفسدة بمصلحة السلوك والطريق ، يطرأ عليها تغيير وتبديل تبعا لاختلاف الطريق ، كما يراه من يذهب الى التصويب في الرأي أو السببيّة في الطريق ، والتفصيل يطلب من كتب اصول الفقه ، فراجع كتابنا (تهذيب الأصول).
ويردّ عليه : أنّ ذلك وإن كان صحيحا ، بل هو واقع في الشرع المبين نظير الحجج الظاهرية وحجّية قول المجتهد على مقلّديه ، وجعل أمراء الجيوش والسرايا وفرض طاعتهم ، كما كان ينصبهم رسول الله صلىاللهعليهوآله وجعل الحكّام والولاة