الله سبحانه سماع الردّ منهم بسماع القبول ، وقد جعل الإطاعة مكان العصيان وطلب السماع من الرسول صلىاللهعليهوآله لهم بدلا من قولهم : «واسمع غير مسمع» ، وجعل (وَانْظُرْنا) بهمزة الوصل وضم الطاء المعجّمة ، بدل قولهم : (راعنا) ، وهو المعنى الذي كانوا يغالطون فيه ، فإنّ جميع ذلك خير لهم ؛ لأنّهم جعلوا قيادهم إلى الرسول والطاعة له ويلقون بسعادتهم عنده ، وهو الهادي إلى الصلاح والسعادة ، وكان ذلك أقوم لهم وأعدل لما فيه من الأدب والفائدة العظيمة وحسن العاقبة.
قوله تعالى : (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ)
أي : أنّهم لم يقولوا ذلك لخبث سرائرهم وتمرّدهم على الحقّ وإعراضهم عنه ، فلعنهم الله تعالى وطردهم عن رحمته بسبب كفرهم ولجاجهم وعنادهم مع الله تعالى ورسوله. والباء في (بِكُفْرِهِمْ) للسببيّة.
قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)
أي : فلا يؤمنون بالله ورسوله بسبب جحودهم ولجاجهم إلا قليلا منهم ، الذين لم يتمرّدوا على الحقّ ولم يتوغّلوا في المحاورة مع الله ورسوله ، وفي الكلام ايئاس المؤمنين ، ويستفاد من كلمة (لو) المشعرة باستحالة وقوع المتمنّى به أيضا ، فإنّهم ملعونون لا يوفقون للإيمان ، والاستثناء من ضمير المفعول في (لَعَنَهُمُ).
أي : أنّ الله تعالى أبعدهم عن رحمته بسبب كفرهم وعنادهم ، فلا يؤمنون بعد ذلك إلا فريقا قليلا ممّن اختار الطريق الأنفع والأقوم ، فشملته العناية الربانيّة فآمن.
فالاستثناء إنّما يكون بالنسبة إلى الأفراد وخروج بعض الأفراد من الحكم المترتّب على المجتمع وهو عدم الإيمان المستفاد من قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ) ، فاستثنى منه قليل الأفراد ، ومثل ذلك كثير بالنسبة إلى المجتمعات ، لا سيما المجتمع اليهوديّ الذي استحقّ كثيرا من اللوم والغضب واللعن ، إلا بعض الأفراد.