ومنها : صحيحة ابن إسحاق عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «أتدري ما المشيئة؟ فقال : لا ، فقال : همّه بالشيء أو تدري ما أراد؟ قال : إتمامه على المشيئة».
أقول : الحديث ليس في مقام الفرق بين مشيئة الله عزوجل وإرادته تعالى ، بل إنّما هو في مقام بيان طبيعة المشيئة والإرادة بالنسبة إلى الخلق ، وإلا فليس له تعالى «همّ» ولا رويّة ، كما تقدّم في الحديث ، ويمكن أن يستفاد من لفظ «الهمّ» الكليّة ، فيكون في مقام بيان الفرق بين مشيئته تعالى وإرادته عزوجل.
هذه جملة من الأخبار الواردة في هذا الموضوع المهمّ ، والذي اتّفقت عليه جميع هذه الأحاديث أنّها لم تشر إلى أنّ الإرادة من الصفات الذاتيّة أو أنّها عينها ، كما هو الأمر في سائر الصفات العليا ، فإنّهم عليهمالسلام بيّنوا ذلك فيها. فلا ريب ولا إشكال في ثبوت الإرادة له جلّ شأنه عقلا ونقلا ، بل يعدّ ذلك من الضروريات ، كما عرفت.
معنى الإرادة فيه عزوجل :
ذكرنا في أحد مباحثنا المتقدّمة أنّ العقول تحيّرت في ذاته جلّت عظمته ، وفي صفاته تعالى مطلقا ، سواء كانت صفات الذات أم صفات الفعل ؛ لأنّ التحيّر في الذات تحيّر في ما هو عين ذاته تبارك وتعالى أيضا.
وأمّا صفات الفعل ، فلأنّها منبعثة عمّا لا يدرك ذاته وصفاته ، فلا بد من التحيّر فيها أيضا.
والإرادة من الصفات التي هي من أتمّ مظاهر الجلال والجمال وتجليات الذات قولا وفعلا ، ولا ريب أنّ الإرادة بالمعنى الذي ذكرناه في إرادة الإنسان لا يمكن اتّصافه عزوجل بها ؛ للزوم كونه محلا للحوادث ، وهو منزّه عنها ، إلا إذا قلنا بأنّ الإرادة في الإنسان أيضا هي فعله ـ كما هو الحقّ ـ فيتّحد معنى الإرادتين حينئذ.
ولكن قد اختلفت تعبيرات العلماء في إرادة الله تعالى ، وعمدة الأقوال فيها ثلاثة :