الثالث : اجتناب الكبائر كما تدلّ عليه الآية الشريفة المتقدّمة ، والمستفاد منها أنّ الاجتناب بنفسه مكفّر للسيئات كالتوبة والطاعة ، لا أنّ الاجتناب عن الكبائر يوجب التخلية بين الصغائر والطاعات الحسنة وهذه الأخيرة تكفّر السيئات ، فيدخل تحت قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ، بل للاجتناب دخل في التكفير ، وله خصوصية خاصّة.
بل يمكن إقامة الدليل العقليّ على المطلوب ، وهو : أنّ الأخذ بالصغائر بعد الاجتناب عن الكبائر ، مداقة منه عزوجل في الحساب ، ولا ينبغي ذلك بالنسبة إليه تعالى ، لأنّه الجواد المطلق والغفور الرحيم.
ثمّ إنّ إطلاق الآية الشريفة يشمل جميع الكبائر ، وهي تكفّر عن السيئات جميعا ، ما تقدّم منها وما تأخّر ، إلا أن تكون من حقوق الناس ، فإنّها لا تكفّر إلا بأدائها إلى أصحابها ، وقد ذكرنا شروط التكفير فيما تقدّم.
والمستفاد من هذه الآية الشريفة ترتيب الثواب على اجتناب الكبائر والابتعاد عنها ؛ لقوله تعالى : (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) ، مضافا إلى ما ورد في بعض الأخبار الوعد بالثواب.
بحث فقهي
تختصّ السيئات المكفّرة باجتناب الكبائر بحقوق الله تعالى ، وأمّا حقوق الناس فلا تشملها الآية الشريفة ، وتدلّ على ذلك الأخبار الكثيرة ، مثل قوله عليهالسلام : «من ترك من أخيه حقّا يطلبه به يوم القيامة» ، مع أنّ جملة منها داخلة في الكبائر التي يكون اجتنابها شرطا للتكفير ، ويشهد لما ذكرناه ما دلّ على أنّ «أوّل قطرة من دم الشهيد في سبيل الله تعالى توجب غفران ذنوبه إلا ما كان من حقّ الناس».