وإنّما أظهر «المنافقين» في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالنفاق ، ولبيان العلّة في ذمّهم.
قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً)
بيان لسخافتهم وأنّ هذا الإعراض عن حكم الله ورسوله والإقبال إلى غيرهما ـ الذي هو الطاغوت ـ إنّما سيعقب السوء الذي هو نتيجة تصرّفهم ، أي : فكيف يكون حالهم إذا نالتهم مصيبة ونكبة نتيجة تصرّفهم ونفاقهم ، وبسبب الإعراض عن حكم الله تعالى والرسول ، وبسبب ما عملوا من الجنايات كالتحاكم إلى الطاغوت ، والآية الشريفة تبيّن أنّ تلك المصائب ليس لها سبب إلا الإعراض عن حكم الله والرسول والتحاكم إلى الطاغوت ، قوله تعالى : (ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً).
وحكاية الاعتذار منهم مخادعة بأنّهم أرادوا من الإعراض والتحاكم إلى الطاغوت ، الإحسان والتوفيق ، وبيان أنّهم لم يطيقوا الثبات على ذلك الإعراض والصدود. أي : لما رأوا المصائب تحدق بهم جاؤك مخادعة حالفين لك بالله العظيم نفاقا قائلين : إنّهم إنّما أرادوا من التحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن حكم الله والرسول الإحسان لكم والتوفيق بينكم وبين الخصوم وقطع المشاجرة ، لا الإعراض عن حكمك.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ)
تكذيب لقولهم ، فإنّ الله تعالى الذي يعلم ما في الأرض والسماء ، وما في قلوب الناس جميعا ، يعلم ما في قلوب أولئك المنافقين ، وإنّما حذف المتعلّق لبيان خبث ضمائرهم ، وأنّها فاسدة لا يتأتّى منها إلا الشرّ.
كما أنّ تخصيص قلوب أولئك بالذكر مع أنّ الله تعالى عالم بجميع الأشياء ،