عليكم بغفران ذنوبكم وما صدر منكم من السيئات ، قولا وعملا إذا رجعتم إليه بترك ذلك.
ويمكن أن يراد بالتوبة في المقام المعنى العامّ ، وهي الرجوع على العباد بالنعمة والرحمة في تشريعه للأحكام التي يكون العمل بها موجبا لغفران ذنوبهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أي : والله عليم بما أنتم عليه من خطرات قلوبكم وأعمال جوارحكم ، وما يترتّب عليها من المصالح والمفاسد.
وحكيم بمصالحكم وجميع مجعولاته التكوينيّة والتشريعيّة ، فيشرّع لكم ما يهديكم ويكون سبب سعادتكم.
ثم إنّ إرادته تعالى في قوله جلّ شأنه : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هي الإرادة التكوينيّة الأزليّة ، التي لها دخل في التكوين ونظامه ، والهداية التكوينيّة لمعرفة الحسن والقبح بإفاضة العقل إليهم.
وفي قوله تعالى : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، التسلية للمؤمنين ممّا لا قوه من المشركين من المتاعب ، ولبيان أنّ ما كانوا فيه من البأساء والضراء ، لقصور عقولهم عن درك مصالحهم ومفاسدهم وتماديهم في ذلك.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ).
تأكيد لما سبق وبيان بأن الصلاح واتباع شريعة الحقّ إنّما يكونان بلطفه وعنايته عزوجل بالمؤمنين ، فكانت هذه التوبة لأجل هدايتهم إلى العمل بالشريعة ، والتوبة الاولى لأجل ما صدر عنهم من سيئات الأعمال ، وهذه الإرادة التشريعيّة التي هي أيضا جزء من نظام التكوين ، بل يعتبر من أهمّ أجزائه والإرادة الاولى هي الإرادة التكوينيّة كما عرفت ، فجعل تبارك وتعالى نفس الإسلام توبة لما صدر منهم قبله ، كما في قوله صلىاللهعليهوآله : «الإسلام يجبّ ما قبله» ، كما تشمل ما بعد الإسلام أيضا ، فيستعدّ المؤمن لتلقّي المعارف وقبول الهداية الربانيّة