اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، فبعث بها إليهم ، فلما قرؤها دخل هو وأصحابه في الإسلام ورجعوا إلى رسول الله ، فقبل منهم ، ثم قال لوحشي : اخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما أخبره قال : ويحك غيّب شخصك عني ، فلحق وحشي بعد ذلك بالشام وكان بها إلى أن مات».
أقول : على فرض صحّة الرواية أنّها تدلّ على شقاء الوحشي وأصحابه وأنّهم كانوا بعيدين كلّ البعد عن الفطرة الإنسانيّة والمعارف الإلهيّة ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي هو رحمة للعالمين أراد أن يستنقذهم من المهالك ويقرّبهم إلى الفطرة المستقيمة وما فيه نجاتهم ، فأبوا ذلك ، فأضمروا شقاءهم وأسلموا إسلاما ظاهريا لحقن دمائهم ، وإنّ الآيات المباركة لم تنزل في حقّ وحشي وأصحابه ، وإنّما هو من باب التطبيق وسرد الحجّة ، وقد ذكر في بعض التواريخ أنّه سكن حمص إحدى مدن الشام ومات فيها ، وكان مدمن الخمر.
وفي المجمع : روى مطرف بن شخير عن عمر بن الخطاب قال : «كنّا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا مات الرجل منّا على كبيرة ، شهدنا بأنّه من أهل النّار حتّى نزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فأمسكنا عن الشهادات.
أقول : أمثال هذه الرواية كثيرة ، وتقدّم في بحث الشفاعة أنّ من مات على كبيرة لا يكون من أهل النّار ؛ لأنّ أسباب التكفير كثيرة حتّى بعد الموت ، وأما لو مات على الشرك ، فإنّه لا يغفر له بمقتضى هذه الآيات المباركة وغيرها من الآيات الشريفة.
وفي تفسير العياشي : عن أبي العباس قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟ قال : من ابتدع وليّا (رأيا) فأحبّ عليه وأبغض».
أقول : يستفاد من هذه الرواية وأمثالها أنّ للشرك مراتب متفاوتة جدّا ، كالإيمان ، وأن أدناها ما ذكر فيها من الحبّ والبغض باعتبار الولاية.