على أي حال مات ، وفي أي يوم مات وساعة قبض ، فهو صدّيق شهيد ، لقد سمعت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض ، لكان الموت كفّارة لتلك الذنوب ، ثم قال : من قال : لا إله إلا الله بإخلاص ، فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة ، ثم تلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ـ الحديث».
أقول : إنّ أسباب التكفير مع حفظ الإيمان حين الخروج من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة كثيرة ، منها سكرات الموت ، ومنها دعاء المؤمنين والصلحاء له ، ومنها الصدقة الجارية وذكر الخير ، ومنها الشفاعة ، وتقدّم قوله تعالى كما عن نبيّنا الأعظم : «اغفر ولا ابالي» ، ويبيّن ذلك ذيل الآية المباركة.
وفي المجمع : عن الكلبي في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، نزلت في المشركين وحشي وأصحابه ، وذلك أنّه لما قتل حمزة ، وكان قد جعل له على قتله أن يعتق فلم يوف له بذلك ، فلما قدم مكّة ندم على صنيعه هو وأصحابه ، فكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّا قد ندمنا على الذي صنعناه ، وليس يمنعنا عن الإسلام إلا إنّا سمعناك تقول وأنت بمكة : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) ، وقد دعونا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ وزنينا ، فلو لا هذه لاتبعناك ، فنزلت الآية : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) ، فبعث بهما رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى وحشي وأصحابه ، فلما قرءوهما كتبوا إليه : هذا الشرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحا فلا نكون من أهل هذه الآية ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فبعث بها إليهم فقرؤها فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته ، فنزلت : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ