تقريبا ، كتسمية اليهود موضع عباداتهم «صلاة» ، كما في قوله تعالى : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ) [سورة الحج ، الآية : ٤٠] ، بقرينة قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) ، والمقتضي لهذا التجوّز قوله تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، فإنّه لو قال : (لا تقربوا المسجد وأنتم سكارى) ، لم يستقم التعليل ، أو أفاد فائدة اخرى غير مقصودة ، ولخلوه عن شائبة التكرار.
وفيه : أنّه خلاف ظاهر اللفظ ، مع أنّه يستلزم أن يكون الأحكام الآتية للمسجد ، وهو مضافا إلى كونه بعيدا في نفسه ، يلزم النهي عن دخول الذي يجيء من الغائط إلى المساجد حتّى يطهّر بالماء ، أو التراب إن لم يجد الماء ، وهو خلاف الإجماع ، فالمراد بالصلاة هي الشعيرة كما عرفت ، فيكون النهي عن اجتنابها باجتناب القرب إليها ، ومن أنحاء القرب دخول المساجد.
وقوّى بعض العلماء من أصحابنا أن تكون الصلاة في قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) على معناها الحقيقي ، وفي قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) على معناه المجازي ، أي : مواضعها ، وعدّ ذلك من باب الاستخدام المعروف في العلوم الأدبيّة ، فإنّه عزوجل استخدم لفظ الصلاة لمعنيين ، أحدهما إقامة الصلاة ، بقرينة قوله تعالى : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، والآخر مواضع الصلاة بقرينه قوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ).
وهذا الاحتمال وإن كان لا بأس به إلا أنّه خلاف الاستخدام المعروف في العلوم الأدبيّة ، فإنّ الاستخدام هو أن يؤتى بلفظ له معنيان حقيقيان أو مجازيان أو مختلفان يراد به أحدهما ، ومن الضمير العائد إليه المعنى الآخر ، أو يعاد إليه ضميران ، يراد من الثاني غير المعنى الذي أريد من الأوّل ، وما ذكره من الاستخدام غيره كما هو واضح. يضاف إلى ذلك أنّه خلاف ظاهر الآية المباركة ، فالحقّ ما ذكرناه.
والآية الشريفة بإيجازها البليغ تضمّنت النهي عن الصلاة حال السكر