وفيه : أنّ الابتهاج حاصل في كلّ فاعل لا محالة ، ولكن ابتهاجه عزوجل مباين مع ابتهاج الخلق ، كما في سائر صفاته تعالى ، كالسميع والبصير ونحوهما ، ولا يضرّ ذلك بأصل ثبوت هذه الصفة.
الثاني : أنّ إرادته عزوجل علمه بالنظام الأحسن والأصلح.
وقد ذهب إليه جمع آخر من الحكماء ، وعلى هذا القول ترجع الإرادة إلى العلم ، فتكون عين ذاته.
وقال بعض مشايخنا في توجيه هذا القول بما يرجع إلى القول الأوّل : «والوجه في تعبير الحكماء عن الإرادة الذاتيّة بالعلم بنظام الخير وبالصلاح ، أنّهم بصدد ما به يكون الفعل اختياريا ، وهو ليس العلم بلا رضا ، وإلا كانت الرطوبة بمجرّد تصوّر الحموضة اختياريّة ، وكذلك ليس الرضا بلا علم ، وإلا كانت جميع الآثار والمعاليل الموافقة لطبائع مؤثّراتها وعللها اختيارية ، بل الاختياري هو الفعل عن شعور ورضا ، فمجرّد الملائمة والرضا المستفادين من نظام الخير والصلاح التامّ ، لا يوجبان الاختياريّة ، بل يجب إضافة العلم إليهما ، فما يكون به الفعل اختياريا منه تعالى هو العلم بنظام الخير ، لا أنّ الإرادة فيه تعالى بمعنى العلم بنظام الخير».
أقول : وهو توجيه حسن.
الثالث : أنّ الإرادة هي الإيجاد عن علم وحكمة ، وبه يمكن الجمع بين الأقوال ؛ لأنّ كلّ من تأمّل في تعبيرات العلماء على اختلافها ، يرى أنّها ترجع إلى شيء واحد ، لعدم إمكان قطع النظر عن العلم والحكمة المتعالية في إرادة الله عزوجل ، فمن نظر إلى أساس المقدّمات أدخل العلم في حدّها ، ومن نظر إلى النتيجة مجرّدة عن المقدّمات حدّها بغير ذلك ، فيصحّ أن يقال : إنّ الإرادة هي الإيجاد عن علم وحكمة متعالية ، فالمراد من حيث الإضافة إلى الجاعل يسمّى إيجادا وإرادة ، ومن حيث لحاظه في نفسه يسمّى فعلا.