ولعلّ أوجه الوجوه أن يقال : لمّا كان ذات الحقّ سبحانه منزّها عن تعلّق إدراكنا به ، وغيبا محضا لا يصحّ الاشارة إليه لا عقلا ولا وهما ، ظاهرا لنا بصفاته وأسمائه وأفعاله وآثاره ، وكان صفاته الذاتيّة عين الذات الممتنعة عن الادراك ، افتقر الداعي والمستعين والمسبّح إلى وجهة يتوجّه بها إليه سبحانه من أسمائه الكلّيّة والجزئيّة : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)(١) ، بمنزلة القاصر عن مشاهدة الشمس بعينه ، المتوسّل إلى ملاحظتها بالماء الصافي ، أو المرآة الصافية ، فانّ الاسم من حيث أنّه اسم وعلامة للشيء لا يعتبر له استقلال وهويّة ، بل يلاحظ به المسمّى ويجعل آلة للحاظه ؛ كالناظر إلى الشمس من المرآة والماء ، فانّه ينبغي غفلته عن ملاحظة صفات الماء والمرآة ، واستغراقه في مشاهدة صفات الشمس الظاهرة له بتوسّط الماء ، فتسبيحه حينئذ لما ظهر في الماء تسبيح للشمس ، والماء مظهر لها. وأمّا من يرى الماء شيئا مستقلا ، ويشاهده وصفاته ، فهو غير ناظر إلى الشمس ، ولا إلى علامته ، بل إلى أمر آخر محتجب به عن الشمس. وكذا المستعين بحقائق الاسماء الالهيّة أو ألفاظها ومسبّحها قد يكون مسبّحا له سبحانه مستعينا به بايقاع الالفاظ والحقائق عليه ، وهو الموحّد في ذلك المقام ، وقد يكون مسبّحا للألفاظ والحقائق ، ومحتجبا بها عنه سبحانه ، وهو من أخفى أقسام الشرك. ومثالهما : القارئ المشتغل بألفاظ القرائة عن معانيها ، والمشتغل بمعانيها عن ألفاظها بحيث ربّما يذهل عن الالفاظ من كونها أشياء في عين نظره إليها ، من حيث كونها قوالب ومظاهر للمعاني. فلو سألت عن الاوّل عن معنى ما قرأ وفي أيّ مطلب كان لم يشعر بذلك ، ولو سألت الثاني عن خصوصيّات الالفاظ والحروف والكيفيّة الّتي وقع عليها إخراج الحروف لم يدر شيئا منها.
وإن شئت ظهور الحال لك فاستظهر بحال مطالعة الكتاب عند استغراق
__________________
(١) الاعراف / ١٨٠.