ومنها انصراف محبّته وبغضه عمّا ينبغي حبّه وبغضه بحسب المزاج الصحيح ، وحبّه وبغضه من لا ينبغي حبّه وبغضه بحسب الفطرة الاصليّة. وذلك بأن لا يحبّ من به بقاء نفسه وكماله ، وكلّ شيء يتعلّق به ، والمحسن إليه بأنواع غير متناهية ، والمحسن إلى جميع من سواه ، ومن كان حسن الفعل بعنوان مطلق والجميل بقول مطلق ، والّذي يحبّه من دون حاجة إليه الرؤف الرحيم به ، وهو الله سبحانه ؛ ويحبّ من سواه ممّن ليس فيه شيء منها على الحقيقة ، ولا يبغض الشيطان المضرّ له بقول مطلق ، العدوّ له القبيح ، فيتولاه بقلبه ويتبعه بأعماله. وكذا حبّ الكمالات المعنويّة والافعال المستحسنة عقلا ، ومن كان متّصفا بتلك الكمالات ، فانّ فقدانه دليل على آفة القلب خصوصا بعد صرفه إلى أضدادها ، مع أنّه ينبغي له بغضها. ومثاله في الجسد : مثال من لا يحبّ الطعام اللّذيذ الملائم ، ويحبّ الغذاء المرّ الغير الملائم ، إلى غير ذلك.
وهذا ذكر إجماليّ على طريقة علم الاخلاق ، والتفصيل موكول إلى ذلك الفنّ.
فنرجع إلى ما نحن فيه ونقول :
إنّ المرض الّذي استقرّ في قلوب هؤلاء المنافقين يمكن أن يكون هو السبب الموجب لفقدان الايمان عنهم من الحالة المخرجة لقلوبهم عن التصديق بعد قيام السبب القويّ الظاهر ، أو الباعثة لها على الجحود الباطنيّ والعناد واللّجاج في موضع يقتضي الفطرة الاصليّة التسليم والانقياد والقبول ، وذلك كالغلّ والحسد والبغضاء ، كما حكي (١) : «أنّ صدورهم كانت تغلي على رسول الله صلىاللهعليهوآله والمؤمنين غلّا وخنقا ، ويبغضونهم البغضاء الّتي وصفها الله سبحانه في كتابه :(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(٢) ، ويتحرّقون عليهم
__________________
(١) راجع الكشاف ، ج ١ ، ص ٣٢.
(٢) آل عمران / ١١٨.