أنفسهم عن استماع الحقّ المشتمل عليه استماع قبول وائتمار حذرا عن ترتّب الموت عليه.
وهذا بخلاف المؤمنين الّذين قبلوا تلك الانذارات ، وخافوا خوفا أمات نفوسهم ، وعرضوا أنفسهم للمهالك في سبيله ، بل صاروا بحيث لو لا الاجل الّذي كتب الله عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب كما وصف به أمير المؤمنين عليهالسلام المتّقين بذلك فيما ببالي من كلامه المذكور في النهج (١) ، بل أمات بعضهم كما صنع ذلك الخطبة ب «همّام» المصغي لها ، الّذي قال عليهالسلام عند موته به أنّه : «هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها» على ما ببالي.
(وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) المستترين عن الحقّ بأغشيتهم ، لا يخرجون عن تحت حكم قضائه وقدره ومشيّته وإرادته وقدرته بحيلة من حيلهم ، ولا في حال من أحوالهم.
وأنت بعد التأمل فيما قدمناه في سائر الآيات تقدر على إجراء هذا المثال في سائر مراتب النفاق ، فتدبّر في ذلك.
وأمّا الهيئة التركيبيّة والكيفيّة الحاصلة من مجموع تلك المفردات المنضامّة المتلاصقة ، فربّما يقال : إنّه لمّا وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم ، وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبّهت حيرتهم وشدّة الامر عليهم بمن أخذته السماء في اللّيلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق. وهذا في مقابلة الامن والسلامة والهدى والاستقامة والفلاح الحاصلة للمؤمنين ، هذا.
وعن تفسير الامام عليهالسلام أنّه قال العالم عليهالسلام :
«ثمّ ضرب الله عزوجل مثلا آخر للمنافقين ، فقال : مثل
__________________
(١) راجع النهج ، خ ١٩٣ ، ص ٣٠٣.