جحودهم ، لنبوة بعض الأنبياء على ما يذهب إليه في الموافات ، وعند من قال بالإحباط لا يمتنع أن يكونوا عارفين بالله ، وبعض رسله فإذا كفروا ببعضهم ، انحبط ما معهم من الثواب على إيمانهم وهذا لا يصح على مذهبنا في بطلان الإحباط فالصحيح إذا ما قلناه.
وقوله : (وَأَعْتَدْنا) معناه أعددنا للكافرين يعني الجاحدين الذين ذكرهم ولغيرهم من أصناف الكفار (عَذاباً) في الآخرة (مُهِيناً) يهينهم ويذلهم مخلدون في ذلك ، وقال قتادة والسدي ومجاهد نزلت في اليهود والنصارى وإنما قال : إن هؤلاء هم الكافرون حقا ، وإن كان غيرهم أيضا كافر حقا على وجه التأكيد لئلا يظن أنهم ليسوا كفارا لقولهم : نؤمن ببعض ونكفر ببعض وقيل إنه قال ذلك استعظاما لكفرهم ، كما قال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى قوله ـ : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وقد يكون مؤمنا حقا من لم يلحق هذه الخصال بلا خلاف (١).
ولما ذكر الله تعالى حكم من فرق بين الله ورسله ، والإيمان ببعض دون بعض ، وأنهم الكافرون. وأنه أعد لهم العذاب المهين ، أخبر عقيبه عمن آمن بالله ورسله ، وصدقهم وأقر بنبوتهم ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ، بل آمنوا بجميعهم ، فإن الله (تعالى) سيؤتيهم أجورهم بمعنى سيعطيهم ثوابهم الذي استحقوا على إيمانهم بالله ورسله ، والإقرار بهم ، وإنه يعطيهم جزاءهم على ذلك. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ومعناه يغفر لمن هذه صفته ما سلف له من المعاصي والآثام ، ويسيرها عليهم ، ويترك العقوبة عليها ، فإنه لم يزل كان غفورا رحيما أي متفضلا عليهم بالهداية إلى سبيل الحق موفقا لهم لما فيه خلاص رقابهم من عقاب النار (٢).
__________________
(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٣٧٣.
(٢) لتبيان : ج ٣ ، ص ٣٧٥.